تواجه فرق الرقابة الصحية في العراق صعوبات في منع التعامل بالمواد الغذائية التالفة التي تغرق السوق المحلية، وتباع للمستهلكين بأسعار زهيدة مقارنة بالمواد الأخرى الصالحة للاستهلاك. ويستوردها التجار هذه المواد التالفة بهدف تحقيق أرباح سريعة، مستفيدين من عدم تشديد مراقبة المنافذ الحدودية.
وشهدت الأيام الأخيرة تنفيذ فرق الرقابة الصحية في بغداد ومدن مختلفة من العراق حملة رقابة واسعة أسفرت عن إتلاف عشرات الأطنان من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك البشري، وإغلاق معامل ومخازن لا تستوفي الشروط الصحية المطلوبة، بحسب ما أفادت بيانات أصدرتها وزارة الصحة.
وجرى إتلاف نحو ثلاثة آلاف طن من المواد غير الصالحة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بحسب ما يخبر جاسم الغزي، وهو أحد مسؤولي فرق التفتيش والرقابة بوزارة الصحة. ويوضح أن المواد عبارة عن أغذية جافة أو رطبة ومكملات غذائية صنّفت بأنها تالفة، بسبب انتهاء صلاحيتها أو سوء تخزينها، أو لأنها باتت غير صالحة للاستهلاك، ويقول: “تبذل الفرق الصحية جهوداً كبيرة يومياً لمتابعة المواد التالفة داخل المحلات التجارية وفي مخازن التجار، وتواكب فرق الحواجز الأمنية بين المحافظات مهمات الحملة بعد تزوديها بالمعلومات التي تتوافر لدينا عن البضائع التالفة”.
يتابع: “تدخل معظم هذه المواد من الحدود مع إيران، وهي تالفة أو تكاد أن تنتهي فترة صلاحيتها قريباً، والتجار يبيعونها إلى أصحاب محلات تجارية بأسعار مخفضة، ثم يعرضها أصحاب المحلات بدورهم للمستهلكين بأسعار تختلف عن تلك في السوق، لذا فهي وسيلة لتحقيق مكاسب سريعة. وفرق الرقابة تتلف بشكل شبه يومي أطناناً من هذه المواد، لكنها لا تنتهي بسبب كمياتها الكبيرة في الأسواق”.
ويؤكد الغزي أن فرق الرقابة تواجه صعوبات في التعامل مع تجار يمتنعون عن التعاون، ولا يسمحون بتفتيش مخازنهم أحياناً، ويرتبط عدد كبير منهم بصفقات تجارية مع جهات متنفذة تتدخل أحياناً لمنع عمليات التفتيش وإتلاف المواد. ونحن نلتزم بأداء واجبنا على أكمل وجه رغم العقبات التي نواجهها، ونرصد أحياناً تلاعباً في تاريخ انتهاء المواد من قبل التجار، ونضبط أيضاً مواد غير صالحة أساساً أعدت في مصانع تفتقر إلى الشروط الصحية، وموادها الأولية غير مفحوصة، لذا نشدد على ضرورة تعاون كل الجهات الأمنية والحكومية لتشديد الرقابة الصحية على المصانع المحلية والمنافذ الحدودية والأسواق المحلية”.
ويقول عضو غرفة تجارة بغداد، رائد الحجامي،
تستورد معظم المواد التالفة عبر إيران، لذا يتطلب التصدي لها بالكامل ضبط الحدود وعدم التساهل في التعامل مع الملف، خصوصاً أن العامين الأخيرين شهدا تصاعداً كبيراً في كميات المواد التي تدخل البلاد بسبب قوة ونفوذ المتعاملين بها”.
يضيف: “يتعامل تجار كثيرون بهذه المواد، وهم ليسوا من أولئك المعروفين في الأسواق المحلية، بل جدد يملكون رؤوس أموال ضخمة ويرتبطون بجهات متنفذة. ويُعرف أن هؤلاء التجار المشبوهين لا يخضعون لمحاسبة قانونية حتى بعد ضبط مواد غير صالحة للاستهلاك في مخازنهم”.
ويشدد على أن “الملف حساس وخطير، لأن الأرباح التي تتحقق تحصل على حساب صحة وحياة الناس، ما يحتم أن تتعامل الحكومة والجهات الرقابية بحزم مع هؤلاء التجار من أجل إخضاعهم للمحاسبة القانونية، أما المواطنون الفقراء فهم الضحايا الأكبر لهذا الجشع ومن يقف وراءهم، لأنهم مجبرون على شراء مواد رخيصة الثمن بسبب ضعف قدرتهم الشرائية”.
ويرتبط العراق مع إيران بحدود برية تمتد مسافة أكثر من 1300 كيلومتر، وتبدأ من ديالى شرقاً مروراً بإقليم كردستان العراق شمالاً وحتى البصرة جنوباً. وتعتبر السليمانية وديالى وواسط والبصرة أكثر مدن العراق عرضة لعمليات التهريب، بسبب المناطق الواسعة المفتوحة والجبال بين البلدين.
ونتيجة عدم السيطرة على المواد التالفة تصل إلى المستشفيات حالات تسمّم يومية، بحسب ما يؤكد الطبيب في دائرة صحة الكرخ، عبد الله حسن، الذي يدعو في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى “تكثيف الرقابة الصحية، وإخضاع التجار وأصحاب المحلات التجارية الذين يتعاملون بهذه المواد إلى محاسبة قانونية”. ويصرّ على أن “المحاسبة القانونية يجب أن تكون مشددة للحفاظ على صحة وأرواح المواطنين”.
ويعتبر ملف الاستيراد في العراق شبه خارج عن السيطرة الحكومية، في ظل تقديم جهات حزبية ومليشيات حماية للتجار والمهربين الذين يدخلون مواد ممنوعة وأخرى غير مطابقة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ما يجعل منع هذه المواد أمراً صعباً للغاية.