أحمد الشرع رئيسًا لسوريا ضمن مرحلة انتقالية، العنوان الترندي الأول في المنطقة، والآمال معلقة على تحقيق الاستقرار السياسي وإعادة الإعمار، لكن في المقابل، يبرز تخوف من البعض بطرح السؤال الآتي: هل ستتحول القبضة القوية التي تحتاجها البلاد اليوم إلى قبضة حديدية تقضي على أي أمل في الديمقراطية؟
وهل نحن أمام ولادة سلطة أحادية لن تُخترق؟ أم أن هذه فرصة حقيقية لإعادة بناء سوريا بطريقة عادلة؟
بداية علينا معرفة أن سوريا منهكة من الحروب والتدخلات الخارجية، وأي مرحلة انتقالية بدون سلطة مركزية قوية قد تعني فوضى شاملة.
فالبلاد بحاجة ماسة إلى إعادة بناء المدن والبنية التحتية المدمرة، ولا يمكن تحقيق ذلك دون سلطة قادرة على فرض الأمن وتنظيم عمليات الإعمار، إضافة إلى جذب الاستثمارات والمساعدات الدولية وهو ما يتطلب وجود حكومة مركزية قادرة على التفاوض وإدارة الأموال بشكل مسؤول.
فالمطلوب اليوم سلطة انتقالية قوية قادرة على توحيد البلاد وفرض القانون في فترة ما بعد الفوضى، فالقيادة الصارمة ضرورية لضمان عدم تفكك البلاد في مرحلة حساسة كهذه.
لكن السؤال الذي لطالما يُتخوف منه هل يمكن للشرع أن يوازن بين الاستقرار السياسي والحرية؟ أم أن السلطة المطلقة قد تغريه بتثبيت حكمه للأبد؟، خاصة أن تجارب الحكم الانتقالي في المنطقة غالبًا ما تحولت إلى دكتاتوريات جديدة، فهل سوريا تسير في هذا الاتجاه؟، وهل نحن أمام سلطة أحادية القطب لن تُخترق؟
للإجابة عن هذا التساؤل يجب أن نعرف بأن الشارع السوري لم يعش تجربة ديمقراطية حقيقية من قبل، والفرصة اليوم هي بإيجاد نظام سياسي قادر على بناء دولة مؤسسات حقيقية، لكن ما يتخوف منه هو أن تتحول القبضة القوية التي تحتاجها سوريا اليوم إلى قبضة حديدية تقضي على أي أملٍ في الديمقراطية خاصة أنه وبعد أكثر من عقدٍ من الاضطرابات والتدخلات الإقليمية والدولية، لم تعد سوريا قادرة على تحمل المزيد من الفوضى، إذاً سوريا اليوم تحتاج إلى سلطة قوية في هذه المرحلة، لكن القوة لا تعني القمع، والحزم لا يعني الاستبداد، المطلوب اليوم هو “قبضة قوية منضبطة”، قادرة على فرض النظام دون سحق الحريات، وضبط الفوضى دون العودة إلى عقلية الدولة الأمنية المطلقة، علمًا أن معظم تجارب الحكم الانتقالي حول العالم، تبدأ الأنظمة بمبرر “الحاجة إلى الحزم”، ثم تتحول تدريجيًا إلى أنظمة مغلقة تمنع أي معارضة أو تعددية.
ولمعرفة مقياس القبضة هل هي قوية أم حديدية علينا أن لا نكيل الاتهامات لتشكيل حكومة مؤقته بقيادة الشرع بل أن ننتظر لحين تشكيل برلمان فاعل أو مجلس شعب حرّ قادر على مراقبة أداء الحكومة، وعندها ستظهر الحقائق، علماً أن التعويل الكبير سيكون حينها على الشعب السوري في اختيار البرلمانيين أو أعضاء مجلس الشعب الذين يمثلون عملية ديمقراطية ضمن مجلس لا يتخصص بالتصفيق والتطبيل كما اعتدنا، فبناء تجربة ديمقراطية حقيقية يحتاج إلى بناء وعي سياسي يسمح ببناء دولة مؤسسات تحمي جميع المواطنين.
فالمواطن والشعب يجب أن يبقى هو صاحب القبضة الحديدية وليس السلطة، وعندها إذا سمح هذا الشعب للسلطة أن تتحول قبضته من قوية إلى حديدية فعندها من المستحيل مساءلة السلطة أو تغييرها، وسيتم الترويج عندها لفكرة أن “الديمقراطية لا تصلح لسوريا”، مما يؤدي إلى إعادة إنتاج نظام سلطوي جديد، إضافة إلى أن التاريخ علمنا أن السلطة المطلقة، مهما كانت مبرراتها، تفسد مع الوقت، والمطلوب اليوم هو وضع ضمانات حقيقية تمنع احتكار السلطة، وتبدأ هذه العملية بإيقاف كل مظاهر التصفيق والتطبيل لأي شخصية سياسية كانت. وأن يتوقف الشعب عن مشاعر الحب والكره ويحولها إلى مشاعر احترام أو معارضة متوازنة ودون ذلك سيكون الشعب هو ذاته المتهم الأول في صناعة القبضة الحديدية السلطوية، بمعنى أن الشعب السوري وحده من يستطيع فرض الواقع الذي يريد مستقبلاً.