يومًا بعد يوم تزداد التفاهة في مجتمعنا بعد غياب الدور الرقابي المُوجِّه من قبل المؤسسات الحكومية الأكاديمية ،وغير الأكاديمية ،وبروز طبقة عبثية مبتذلة فارغة عن المحتوى ،والمضمون ،وبدأت الرداءة تطفو على السطح بوجود موجة الانحطاط الأخلاقي، وغياب المعيارية ، وشخصيات تبحث عن الشهرة وحبّ الظهور تحاول جلب الأنظار لأنفسهم عبر منصّات التواصل الاجتماعي التي تساهم بتدمير المجتمع ، وتفتيته ، وفتحت الباب على مصراعيه للتافهين بالظهور ،وعدم وجود المحاسبة ، والرقابة حول المحتوى الذي يظهر، والانفلات الأخلاقي الذي بات سمة بارزة ، ولا ندري هل نطالب بحصر السلاح بيد الدولة ، أو حصر المحتوى التافه من الظهور إلى العلن ؛لهذا قديمًا قالوا : ( حُبُّ الظُّهور يُقصم الظهور) ،وهو نوع من أنواع الانتحار عندما يكون الشخص مشهورًا من دون امتلاكه للقدرات ، والإمكانيات في المجالات كافة ،وأصبحت قيم المجتمع الأخلاقية مهدّدة بالانقراض من تلك الطبقة العبثية التي تهدد المنظومة الأخلاقية بِرُمّتها .
وقد طفح كيل التافهين في المجتمع بحُجّة حرية الرأي، والتعبير، والتسكّع في شوارع وأزقة النظام الديمقراطي، ونشر المحتويات السخيفة والمبتذلة، في ظل غياب العقل النقدي ضدهم وعدم وجود رادع وصفعات قوية من قبل النُّقّاد لهم في المجتمع المدني ،وسكوت المجتمع بصورة عامة عن سلوكياتهم الطائشة التي أصبحت مثار السخرية والاستهزاء في المجتمع، والرأي العام ،ونتيجة لصمت الطبقة النخبوية عنهم صعد كثير من التافهين إلى القمّة، وصفق لهم الجمهور ،وأصبحوا قدوات في المجتمع،ويقلِّدون حركاتهم وألفاظهم الهابطة التي تخدش الحياء وتجرح المشاعر لدى طبقات المجتمع ،ولا تختلف التفاهة اليوم عن العصر الجاهلي من حيث سيادة النظام القبلي والعشائري في المجتمع ،وهي ليست صفة سلبية بالمجمل لكن هناك تشبه نوعًا ما من حيث انتشار ظاهرة القتل ففي الجاهلية كانت القبائل تقتل بعضها بعضًا من أجل العيش في حالة فوضوية التي تندرج في سياق الطيش والسفه والحمق والتهوّر والحميّة ،واليوم القتل أصبح على الهوية القومية،و الدينية ،والمذهبية،والذين يقومون بهذه العمليات هم من التافهين الذين يصولون ويجولون من دون وجود رادع قانوني يردعهم وهم من الطبقات الأمّيّة والفقيرة التي انخرطت فيما بعد بالميليشيات الخارجة عن القانون في ظل تنامي سيادة العادات والأعراف والتقاليد القبلية والعشائرية على القانون وكذا الميليشيات التي تحتضن طبقة التافهين !
وهناك مجموعة من التافهين يتحدثون باسم الدولة والحكومة والتوجهات السياسية والدينية والمذهبية وبأمور أكبر من حجمهم ، وقد صدق نبي الرحمة والإنسانية في وصف هؤلاء ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ — رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- : “سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ “قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟
قَالَ: “الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّة “.
والتفاهة لغة هي من الجذر الثلاثي (تَفِهَ) التَّاءُ وَالْفَاءُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ قِلَّةُ الشَّيْءِ. يُقَالُ تَفِهَ الشَّيْءُ فَهُوَ تَافِهٌ، إِذَا قَلَّ.
تفه: تَفِهَ الشَّيءُ يَتْفَهُ تَفَهًا فهو تافِهٌ، أي: قليلٌ خَسيسٌ. وتَّفِهَ الرَّجلُ يَتْفَهُ تُفُوهًا فهو تافه، ورجلٌ تافهُ العَقْل: أحمق.
والتافه يَعْنِي الخسيس الخامل من النَّاس وَكَذَلِكَ كل خسيس فَهُوَ تافه.
فَإذا لم يكُنْ لَلطعام حَلاوَةٌ مَحْضَة ولا حُمُوضَة خَالِصَة وَلا مَرَارَة صَادِقَةٌ فَهُوَ تَفِة.
ولما أصبح كل ما حولنا مختلفًا يجرفنا نحو مسار التفاهة، فقد أضحت حياتنا مُملّة خالية من الطَعْم ونقص في الأصالة أو الإبداع أو القيمة.
ألم تخرج مئات الرويبضات (التافهين) تتحدث بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والديني والثقافي والفكري وغير ذلك من دون علم ولا فكر ولا قيم أو أخلاق أليس هذا هو عصر الرويبضات أو عصر التفاهة ،فكم من هؤلاء يتصدرون المشاهد والشاشات ؟!
في العصر الجاهلي كان وأد البنات منتشرًا في المجتمع؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن المرأة تلحق العار بالرجل ،وفي الوقت نفسه كان من صفات الفارس ثلاث خصال وهي: الاتصال بالنساء – أي علاقة جنسية – ،وركوب الخيل ،وشرب الخمر ،لكن بعد مجيء الإسلام حَرَّمَ وأْد البنات وعدّه جريمة نكراء ،وأثمًا عظيمًا إلا أن أحفاد التافهين اليوم ممَّن ينتسبون للعصر الجاهلي فكرًا ،ونهجًا سلكوا مسلكًا مغايرًا عن وأد البنات ألا وهو حرمان المرأة من حقوقها ،وبدأوا بمحاربتها على مستوى التربية ،والتعليم ،وعدم مشاركة الرجل في الحياة، والتعامل معها بالعنف المادي والمعنوي، ثم بعد ذلك يتحدّثون بالشرف ، والعِفَّة، والطهارة ،وكثير من هؤلاء ينحصر مفهوم (الشرف) عندهم عبارة عن غشاء رقيق بين أفخاذ البنت، وإذا أرادوا انتهاك شرف البنت ألبسوها حجابًا لكي تكون الصورة أكثر تأثيرًا ،ووقعًا حساب أعراف المجتمع الذي يرى بأن الشرف متعلق بالمرأة فقط ،لكنهم لا يتحدّثون عن شرف المهنة ،والصدق ،والأمانة ،والنزاهة ،والضمير ،والعمل ؛لهذا نجد كمًا هائلًا من المتناقضات في هذا المفهوم والتافهون الذين يتبجحون به !
وبروز ظاهرة التفاهة لم تأتِ من فراغ بل ظهرت بشكلٍ كبير كَسَيْلٍ جَارفٍ بعد غياب القدوات الحقيقية والموجهين الاجتماعيين في المجتمع ، وهم موجودون لكن دورهم مغيّب ،وضعيف جدًا ممَّا فسح المجال لهؤلاء التافهين أن يقودوا المجتمع نحو الرذيلة !
انتشرت التفاهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية ،وقد ساهمت تلك الوسائل بدعم ثُلَّة من التافهين ،ونشر التفاهة ،والمحتوى الهابط البعيد عن القيم الاجتماعية من خلال التعرّي والرقص الخليع والمسلسلات الماجنة التي تشجّع على الرذيلة وضرب المنظومة الأخلاقية.
إن ثورة التقدم العلمي من ناحية أجهزة الاتصالات والتواصل الاجتماعي التي قدمت خدمات جليلة للبشرية إلا أن هناك مَنْ قام بتسخير التقدّم التكنولوجي بصناعة التافهين عبر مصانع خاصة في دول العالم جميعًا لكن في دول العالم الثالث تكون مختلفة نوعًا ، وأكثر انتشارًا، وهناك مشكلة كبيرة في التعامل مع مفهوم الحرية في دول العالم الثالث ، والمجتمع الشرقي بصورة خاصة معتقدين بأن الحرية تعني الانفلات في كل شيء وهذا ما يُروّج له من قبل التافهين المتصدرين عبر الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي!
وعندما نرى كمًا هائلًا من التافهين في مجتمعنا ولهم متابعون كُثُر فنجزم بأن أتباع الدجّال سيكونون منهم.
فاليوم نرى على الساحة شخصيات تافهة جدًا من الجوانب كافة، فترى شخصيات تُقْدِم على ترشيح نفسها للانتخابات، وهي شخصيات غير مؤهّلة لا من الناحية الشخصية، ولا الشهادة الأكاديمية، ولا من حيث المقبولية في المجتمع، والجماهير ،وترى من يدعمهم ، وإذا فازوا في الانتخابات فلا أحد يراهم، ولا يتفقدون جماهيرهم في المنطقة التي حصلوا على أصواتهم ،وربما هناك شخصيات أفضل منهم بكثير لكن عض أصابع الندم لا يفيد الجماهير بشيء ،فالجماهير التي تختار التافهين هي لا تقل تفاهةً عنهم فلا يلوموا المرشح بعدم وقوفه مع جماهيره !
وكذا الحال الشخصيات التي تتسنّم المناصب الحكومية ،وهي ترى نفسها أكبر من الجماهير ،وتتنصّل عن المسؤوليات الواقعة على عاتقها ؛لهذا عندما تجد شخصًا أكبر من المنصب فستراه متواضعًا خَلُوقًا ،أما إذا وجدت شخصًا منصبه أكبر من حجمه فستجده مغرورًا ، ومتكبرًا ، ومتعجرفًا، وتافهًا لا يعرف قيمة المنصب، والكرسي ؛لهذا لا يمتلك من المؤهلات لكي يدير المنصب بصورة صحيحة ،وإذا جلست معه لا يجيد الحوار معك بل يقوم بفتح الأحاديث الجانبية التافهة ،ويُمجّد نفسه ،ويحدثك عن بطولات أسطورية عن نفسه ،وهو لم يسمع بها حتى من نفسه ، وربما يكون مصيرك بيد نفر من هؤلاء التافهين !
ونلتفت إلى جهة أخرى نرى شاعرًا فاقد شعور ظهر فجأة لا يعرف القراءة ، والإملاء ، ولا النحو ،والصرف ، والبحور الشعرية ،والصورة الشعرية ،وأفانين البلاغة ، ومطرب يختار الكلمات المبتذلة من أجل الشهرة ،وبفضل المتابعين لذاك الفنان أو الفنانة تنتشر التافهة كالهشيم في النار !
ومن المؤسف جدًا أن نرى طبقة ما يسمّون أنفسهم برجالات الدين ، وهم تافهون بما تحمله الكلمة من معنى الذين يبثون خطابات الكراهية بين المجتمع ،والتحريض على الحقد والكراهية من خلال نسج حكايات خيالية عارية عن الصحة تأريخيًا ، ولا أساس لها من الصحة ،ويجعلها من أولويات الدين وأركانه من أجل التلاعب بمشاعر الجماهير، ودغدغتها !
واليوم قد استفحلت ظاهرة الهوس بالشهادات الجامعية من باب حب الظهور والتباهي الاجتماعي التي جاءت عن طريق شراء ذمم بعض الأساتذة الجامعيين بالأموال ، والهدايا في بعض الجامعات العراقية وخارجها ، فأحد طلبة الدراسات العليا للماجستير بإحدى الدول المجاورة للعراق سجّل اسمه في إحدى الأقسام ، وكلّف شخصًا آخر بمكانه يذهب نيابة عنه بأداء الامتحانات ، وكتابة رسالة الماجستير أيضًا وهذا غيض من فيض !
لقد تفاقمت مسألة حملة الشهادات العليا من جامعات غير معترفة بها ، أو جامعات تبيع الشهادات مثل المأكولات ، والوجبات السريعة بحيث باعت لبنان أكثر من
(27000) ألف شهادة للعراقيين ، والطبقة الفاشلة التي تشعر بالنقص في المجتمع تحاول بشتى الطرق ، والوسائل الحصول على الشهادات من أجل المناصب التي تباع في المزاد السياسي !
ونرى كثيرًا منهم لا يمتلكون شهادة السادس الإعدادي، ولا يمتلكون الشهادة الجامعية (البكالوريوس)،ومنهم من لا يمتلك البكالوريوس ،واشترى شهادتي الماجستير ، والدكتوراه من التخصص الذي يرغب به مقابل حفنة من الدولارات ،والهدايا المادية الفاخرة !
ما عدا تزوير شهادات الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في بعض الأسواق السوداء العراقية لمجموعة من التافهين اللاهثين خلف المناصب، واستقتلوا عليها !
ونتيجة للصراع الطبقي القائم بين المثقفين ، والأمّيّين، والأكاديميين ،وغيرهم ، والقرويين ،والمدنيين ،والشعور بالنقص في التركيبة الاجتماعية، والشخصية، وحقدهم على أبناء المدينة حارب القرويون المدنيين ، وانتزعوا المناصب منهم انتزاعًا، وأصبحت المناصب بأيديهم بعد أن تقاعس المدنيون عن أداء واجباتهم من جهة ، وتهديدهم من جهة أخرى، وفسح المجال أمامهم لكي يتلاعبوا بالمدينة وأهلها بحيث أصبحت المدينة ذات طابع قروي لكن سيأتي يوم يندم أهل المدينة على ترك المدينة بيد التافهين الذين يتحكمون بمصير المدينة وأهلها !
ثم ظهر نوع آخر من التافهين وهم شيوخ (التسعين) في حقبة التسعينيات إبان حقبة النظام البائد ثم بعد سقوط النظام ظهر شيوخ ( الدمج ) من بعد سنة ( 2003 ) التابعين لشخصيات حزبية ، وحكومية ،وهم امتداد لشيوخ التسعين ،ثم ظهر شيوخ تنظيم القاعدة ، ثم شيوخ ساحات الاعتصامات ، ثم شيوخ الميليشيات الخارجة عن القانون الذين باعوا ضميرهم للغرباء مقابل المال ،والمناصب، وهؤلاء ليسوا شيوخًا حقيقيين أبًا عن جد بل مجرد مرتزقة فضلًا عن وجود شخصيات تافهة تتحدث باسم العشائر منتحلين صفة المشيخة وهم بعيدون عنها؛ لأن المشيخة حسب العادات ، والتقاليد القبلية ، والعشائرية تأتي بالوراثة ، وهناك شيوخ أصلاء بعيدون عن الصراعات الطبقية ، والأضواء الإعلامية ،والسياسية .
ومن التفاهات التي غَزَتِ الشاشات الفضية وجود بعض الإعلاميين الذين لا علاقة لهم بمهنة الإعلام لا من قريب ولا من بعيد ، وغالبًا ما تكون خطاباتهم الإعلامية بعيدة عن الروح الوطنية التي تجمع الشمل ،وتستهدف مكونًا كرهًا ،وحقدًا، وبغضًا نتيجة التقدم العمراني الحاصل في إقليم كوردستان ؛ بل ساهم كثير من الإعلاميين مساهمة كبيرة بتفتيت النسيج الاجتماعي فضلًا عن عمليات الابتزاز التي تمارس بحق بعض الشخصيات الحكومية ، أو الجهات السياسية من أجل التسقيط ، والإيقاع بالخصوم علاوة على ذلك ،فأن كثيرًا من الإعلاميين يُنفِّذون الأجندات الإقليمية ، وهم مجموعات من المرتزقة أيضًا الذين يعتمدون على الخطابات الجوفاء المشوّهة البعيدة عن الحقيقة ،ويضلِّلون الرأي العام ،وخداع المجتمع وتخديره !
وبما أن الحديث عن التافهين في عالَم الإعلام فلابد من الإشارة إلى الظاهرة الكارثية التي حلّت بنا ما تُسمَّى بالخبير السياسي، والأمني، والقانوني، والمُحلِّل السياسي ، فلو دقّقت في تصريحاتهم لوجدتها أن تلك التحليلات الأمنية ،والسياسية ، والقانونية لا تمّتُ إلى الواقع بصلة، والغريب أنهم يعيشون تلك الأدوار مع وجود طابع الغرور الطاغي على شخصياتهم التافهة كما أن كثيرًا منهم أصبحوا محل الاستهزاء والسخرية والأضحوكة لدى الشارع العراقي !
ولا أنفي وجود الخبراء السياسيين، والأمنيين، والقانونيين، والمحللين السياسيين البارعين في التحليلات المبنية على مقدِّمات صحيحة والنتائج الإيجابية ،ورؤى نقدية دقيقة في خطاباتهم مع وجود طبقة أخرى منهم بعيدون عن عالم الإعلام خشية التصفيات الجسدية من قبل المعارضين لتلك الأفكار ممّا أفرغت الساحة لتلك الجماعات المرتزقة التي تعتاش على فتات القنوات الفضائية !
كما أن هناك قنوات ساهمت بشكل كبير بنشر التفاهة في المجتمع من خلال البرامج الهابطة لكي يحصلوا على أعلى نسبة من المشاهدات، ويجب الاعتراف أيضًا بأن هناك قنوات لديها برامج محترمة ومهمّة لها دورها في تنمية الوعي بالمجتمع !
التافهون ليسوا محصورين في منطقة دون أخرى بل موجودون في كل زمان ومكان ، والمجتمع الذي يشجع هؤلاء التافهين، فهم لا يقلّون عنهم تفاهة وسفاهة !
وربما يعتقد كثيرون بأن هؤلاء التافهين جاءوا عن فراغ بل هناك جهات داعمة لهم لنشر المحتوى الهابط ، وتمويل التافهين واتباع سياسة إلهاء المجتمع عمّا هو أهم سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وفنيًا وتربويًا وتعليميًا .
وقد كشف عالم اللسانيات ، والمفكِّر الأمريكي (ناعوم تشومسكي) في مقالة له ما يمكن تسميته بـ (استراتيجيات التحكّم والتوجيه العشر) التي تعتمدها دوائر النفوذ في العالم للتلاعب بجموع النّاس، وتوجيه سلوكياتهم ،والسيطرة على أفعالهم، وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم، وهي على سبيل الاختصار:
استراتيجية الإلهاء، والتسلية : وهو عنصر أساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع عبر تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا المهمة ، والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، مع إغراق النّاس بوابل متواصل من وسائل الترفيه ، واستراتيجيّة افتعال الأزمات ،والمشكلات وتقديم الحلول كما يسمّى هذا الأسلوب (المشكلة – التّفاعل – الحلّ) يبدأ بخلق مشكلة، وافتعال وضع مّا الغاية منها انتزاع بعض ردود الفعل من الجمهور ،واستراتيجية التدرّج لضمان قبول ما لا يمكن قبوله، واستراتيجية التأجيل ، ومخاطبة الجمهور على أنّهم قصّر أو أطفال في سنّ ما قبل البلوغ ،ومخاطبة العاطفة بدلًا من العقل ،وإغراق الجمهور في الجهل ،والغباء ،وتشجيع الجمهور على استحسان الرداءة ،وتحويل مشاعر التمرّد إلى إحساس بالذّنب ،ومعرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لذواتهم.
ويمكننا القول بأن التفاهة يتم صناعتها في مصانع خاصة ومن يدير تلك المصانع خبراء، ومحترفون في هذا الميدان ،فهناك مصانع للتفاهة السياسية ،والاقتصادية ، والإعلامية ،والفنية ،والثقافية ،والأدبية ،والاجتماعية ،والدينية ،والتربوية ،والتعليمية، وهكذا دواليك فأصبح التافه يتحكم بمصير الناجح وصاحب الكفاءة !
لهذا تجد التافهين في قمة الصدارة ، ويحصلون على المكافآت ، والهدايا ،والمراتب ، والمناصب، والسلطة ، والمال يؤدي دورًا كبيرًا في صناعة التافهين لاسيما وجود طبقة من المُطبِّلين الذين يتزلّفون لأصحاب المال ، ويتقرّبون منهم، ويلمّعون من صورتهم التافهة في المجتمع ،ويتحول التافه تدريجيًا في المجتمع إلى مسؤول أو شيخ ، أو من وعاظ السلاطين من خلال الدعم الإعلامي له ،والإعلامي لا يختلف عنه تفاهة يستمر بمدحه ، والثناء عليه باستمرار لتحسين صورته السيئة أمام الناس ،والتافه يدرُّ عليه بالأموال!
ولهذا سقطت الطبقة النخبوية في المجتمع بعد ظهور موجة التافهين المتصدرين في المجالس ، والمناصب !
٠
الأشخاص الذين تم الوصول إليهم
٠
التفاعلات
–
مجموع نقاط التوزيع
أعجبني
تعليق
مشاركة