هل الذكاء الاصطناعي محايدٌ في معلوماته وتفسيراته وصياغاته بشكل مطلق متجرّد؟!
مسألة الذكاء الاصطناعي، كما صار معلوماً للجميع، ثورة كبرى تشهدها البشرية اليوم، وستشهدها أكثر وأكثر، لكن التبشير به في مجال الإبداع النابع من منطقة الوجدان والعاطفة، مسألة فيها نظر.
قبل أيام كنتُ أستعيد قصيدة كعب بن سعد الغنوي العظيمة في رثاء أخيه، وهي من أجمل القصائد الفوّارة بالمشاعر الخاصّة جدّاً بصاحبها، النابعة من عمق أعماق الأحاسيس المنجدلة بعروق الروح.
كان كعب رجلاً بدوياً كأخيه، وقد مات أبو المغوار، الذي قِيلت فيه هذه المرثية الغامرة، في البيداء بعيداً عن المدن والقرى، وكان أخوه كعبٌ يسمع من آخرين أن الأمراض والأوبئة، إنما تنتشر في القرى والتجمعّات السكّانية، فقال:
وخبّر تماني أنما الموت في القرى/ فكيف وهاتا هضْبةُ وقليبُ؟!
هل يستطيع أي برنامج ذكاء اصطناعي أن ينغمس في هذه الأحاسيس وهاته المشاعر الفردية الذاتية الموجوعة المفجوعة؟!
من هذا، نلجُ لمسألة ذات صلة، فقبل أيام سألت «رويترز» روبوت شركة «ميتا» للدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي عن اسم الرئيس، أجاب بالقول: «الرئيس الحالي للولايات المتحدة هو (جو بايدن)» ومع ذلك، وفقاً لأحدث المعلومات المتاحة للذكاء الاصطناعي أدّى دونالد ترمب اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.
المتحدّثُ باسم «ميتا» دانيال روبرتس، ردّاً على طلب للتعقيب، قال: «يعلم الجميع أن رئيس الولايات المتحدة هو دونالد ترمب. كل أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية تستدعي أحياناً نتائج قديمة، وسنستمر في تحسين الخصائص لدينا».
حوادث كهذه، حسب التقرير، أثارت شكاوى واسعة النطاق من مراقبي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يفحصون منصات «ميتا» بحثاً عن مؤشرات على أي تحولات مسيّسة بعد ظهور الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ في حفل تنصيب ترمب، وتبنّي سلسلة من التغييرات في الأسابيع القليلة الماضية بهدف إصلاح العلاقات مع الإدارة المقبلة.
فهل سيتحّول الذكاء الاصطناعي، التابع لـ«ميتا»، تبعاً لتحولات الشركة ورئيسها انسجاماً مع التسونامي الجديد بوصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والزلزال السياسي الثقافي الاجتماعي الاقتصادي العالمي؟!
يُحقن الذكاء الاصطناعي بمليارات ومليارات المعلومات، والمحتويات، ومنها يستقي مُنتجاته للطالبين، ويخيّط لهم الملابس المطلوبة، من هذه الأقمشة الموجودة في مخازنه، فما هي هذه المعلومات؟! وهل هي تعبّر عن «كل» المعرفة البشرية اليوم؟! وهل الإنسان «مبرمج» هذه الأنظمة من الذكاء الاصطناعي يتحكّم في المُباح والممنوع من الاتجاهات والمذاهب الاجتماعية والفكرية؟!
أرجع وأقول إن الذكاء الاصطناعي بلا ريبٍ له فائدة كبرى في مجالات الطب والهندسة وأشباه ذلك من العلوم المادّية القابلة للحساب، والمقبل أكثر وأغزر، لكن الذي يصعبُ استساغته أن يكون الذكاء الاصطناعي بديلاً لمشاعر الشاعر المفجوع كعب بن سعد الغنوي!