#نزار الغزالي
ما إن تهدأ الساحة السورية وتبدأ عجلة الاستقرار والتغيير بالسير نحو الأفضل وبما يخدم البلاد والعباد، حتى يظهر من يحاول تعكير الأجواء والتصيد لأغراض إما شخصية أو سياسية.
اليوم يظهر لنا السفير السابق في سوريا روبرت فورد، بخبرية جدلية ليشغل بها الأجواء الإعلامية والشعبية، مدعيا من خلال فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هناك دورا أمريكيا غير مباشر في تأهيل أحمد الشرع لرئاسة سوريا، ونقله من عالم الإرهاب إلى عالم السياسة، وأن الخيار وقع على عاتق روبرت لتدريب الشرع على ذلك.
الأمر الذي ادعاه الدبلوماسي السابق (روبرت فورد)، لا يحتمل أكثر من أمرين، أولهما، هو استغلال الفرصة للترويج لنفسه على أنه مدرب دبلوماسي كبير خبير خارق حارق متفجر، يمكنه صناعة الرؤساء والقادة العظماء. والأمر الآخر هو نسف منجزات الثورة السورية وما حققته في الإطاحة بنظام بشار الأسد وإرجاع ذلك الفضل إلى السياسة الخارجية الأمريكية، ولو فعلا كان للإدارة الأمريكية أي دور في الإطاحة بنظام الأسد أو بدعم الشرع في قيادة سوريا، لظهر هذا جليا من خلال الرئيس ترامب أو السياسيين والدبلوماسيين الأمريكان الذين زاروا سوريا في الآونة الأخيرة، لا سيما وأن ترامب يُعرف بصراحته وإظهار فضله على دول المنطقة والعالم، وقد رأينا ماذا فعل ترامب بالرئيس الأوكراني زيلينسكي حين زاره في البيت الأبيض.
فالدبلوماسي روبرت، كان يلقي محاضرة تدريبية بعنوان (انتصار الثوار السوريين)، في ما يسمى “مجلس بالتيمور للشؤون الخارجية”، وفي المحاضرة ربط روبرت مستقبل سوريا كدولة ديمقراطية بالدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة.
بلسانه أدينه
التفنيد الأول لادعاء روبرت، هو من خلال ما قاله في محاضرته التي استمرت لمدة ساعة تقريبا، بأن زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، أبو محمد الجولاني وعندما كان في مدينة الموصل بالعراق، قتل 5 من الدبلوماسيين الأمريكيين وأكثر من 100 جندي أمريكي. وهنا نطرح سؤال!، كيف لواشنطن أن تتعامل مع شخص أقدم على قتل جنودها ودبلوماسييها، وتهيئته ليقود بلد هام ومحوري كسوريا؟.
ثانيا، قال روبرت، إن منظمة بريطانية متخصصة في حل النزاعات، دعته في العام 2023، لمساعدتهم في إخراج أبو محمد الجولاني من عالم الإرهاب وإدخاله إلى عالم السياسة، إلا أن الحقيقة، أن الشرع، قام بتفكيك جبهة النصرة وبدأ مسيرته كقائد سياسي، منذ مطلع العام 2016، آنذاك بدأ بقيادة الفصائل الثورية والعمل على الإطاحة بنظام بشار الأسد بعيدا عن إقامة أي دولة أو إمارة إسلامية في سوريا، وتبلور ذلك بعد إعلانه عن تأسيس حكومة الإنقاذ السورية في محافظة إدلب.
ثالثا، لقد عمل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 2015، على تدريب وتهيئة قوات سوريا الديمقراطية ودعمها سياسيا وعسكريا بقيادة مظلوم عبدي، لتكون شريكا محليّا له في مكافحة الإرهاب بسوريا، فكان الأولى بواشنطن، أن تقدم الدعم والتدريب لشركاءها في قسد وتقديمهم لقيادة سوريا نحو الديمقراطية، وليس الذهاب إلى من كان في تنظيم القاعدة.
رابعا، كان هناك ما يسمى بالائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية، وهو كيان سياسي تشكل في العام 2012، واعترفت به كافة الدول العربية والغربية كممثل شرعي للشعب السوري، ومن بينهم الولايات المتحدة التي عينت مبعوثا خاصا لها لمراقبة عمل واجتماعات الإئتلاف. وأيضا السؤال هنا، لماذا لم تعمل واشنطن على تسليم إدارة سوريا لقوى الإئتلاف بدلا من أبو محمد الجولاني!!، سيما وأن أعضاء الإئتلاف كانوا يمثلون معظم قوى المعارضة ويحظون بالمقبولية الأممية.
خامسا، أين هو الدور الروسي، وكيف رضخت روسيا الحليف الأقوى للأسد، للإرادة الأمريكية بتبديل الأسد بالشرع، ومن المعلوم حجم المصالح والهيمنة الروسية في ظل حكم الأسد لسوريا، فروسيا تعلم يقينا أن سقوط الأسد يعني تقليص دورها السياسي والعسكري والتجاري في الشرق الأوسط، خاصة وأن سوريا كانت تشكل منفذ روسيا الأقرب والأفضل باتجاه الشرق الأوسط والمياه الدافئة.
قائد الدولة الموحدة
الجدير بالذكر، أنه إن كانت إدعاءات روبرت صحيحية، فإن هذا يُعد اعترافا أمريكيا بفشل جميع الأطراف التي ذكرناها سابقا بقدرتها على مسك أو حل الملف السوري، وهو ذاته دليل واعتراف ضمني أمريكي على أن الرئيس أحمد الشرع هو القائد الأفضل لقيادة سوريا نحو المستقبل، وهو خيار الدولة السورية الموحدة.
لكن على ما يبدو أن الدبلوماسي السابق روبرت فورد، يحاول في محاضرته الطعن في الثورة السورية وإفراغها من نصرها العسكري، مستغلا نجاح الرئيس الشرع في تحرير سوريا بأقل الخسائر مع نجاح كبير في رسم السياسة الخارجية للبلاد، ذلك في ظل انتقال سوريا اليوم إلى مرحلة جديدة “سياسيا وعسكريا” مع رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية، وبالتالي الذهاب باتجاه مرحلة اقتصادية تشاركية مع الدول الإقليمية. وبمعنى آخر، يريد روبرت، أن يرجع نجاح الرئيس أحمد الشرع في قيادة البلاد داخليا وخارجيا إلى فضله، ليروج لنفسه صانعا للقادة والرؤساء.