كشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، تسجيل 14 ألف حالة عنف أسري في العراق خلال العام الماضي، معرباً عن قلقه من استمرار الظاهرة، خصوصاً بحق الأطفال، فيما توقع متخصصون أن العدد الحقيقي “أكثر من المعلن”. وعام 2020، أقرّت الحكومة العراقية السابقة مشروع قانون مناهضة العنف الأسري داخل مجلس الوزراء، وأرسلته إلى مجلس النواب الذي لم يتمكن من إقراره وسط تجاذبات ومخاوف وعراقيل من قبل الكتل السياسية المتنفذة التي تنطلق من أيديولوجيات دينية، بحجة أن القانون تقليد لقوانين غربية، ويمنح المرأة حق الحصول على رعاية حكومية، وهو ما تراه تلك الأحزاب يشجع النساء على التمرد.
وقال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، إن عام 2024 شهد استمراراً مقلقاً لظاهرة العنف ضد الأطفال، مع تسجيل أرقام قياسية في عدد الضحايا والانتهاكات. وبين أن “ظاهرة العنف ضد الأطفال في العراق ارتفعت عام 2024. ووفقاً لإحصائيات وزارة الداخلية عام 2024، سجلت 14 ألف دعوى عنف أسري، وكانت غالبية هذه الحالات تتعلق بالعنف البدني. ومن بين هذه الحالات، كانت نسبة الضحايا من الإناث 73%، بينما نسبة الذكور 27%. كما أظهرت دراسة أجرتها الوزارة على مدى خمس سنوات (2019 ـ 2023) ارتفاعاً في ظاهرة العنف الأسري، مع تسجيل أعلى نسبة من هذه الجرائم في العاصمة بغداد بنسبة 31%”.
وأضاف أن “نسبة الاعتداءات على الأطفال عام 2024 ارتفعت، والاعتداءات المسجلة من قبل الوالدين تشكل حوالي 6% من إجمالي حالات العنف الأسري في البلاد. وبالمقارنة مع الأعوام السابقة، يتضح أن ظاهرة العنف ضد الأطفال في تصاعد مستمر. ففي عام 2020، أعلنت وزارة الداخلية العراقية وقوع 12 ألف حالة عنف منزلي. وفي النصف الأول من عام 2022، عولجت 55 حالة تعنيف ضد الأطفال، بالإضافة إلى إعادة 62 فتاة هاربة ورصد 22 طفلاً هارباً”.
وأكد الغراوي أن “هذه النسبة من الأرقام قد لا تعكس الواقع بالكامل، نظراً إلى عدم الإبلاغ عن العديد من حالات العنف ضد الأطفال بسبب الوصمة الاجتماعية، أو الخوف من الانتقام”. وطالب “الحكومة والمؤسسات المعنية باتخاذ تدابير عاجلة وشاملة لحماية الأطفال من جميع أشكال العنف، بما في ذلك تعزيز التشريعات الوطنية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وزيادة الوعي المجتمعي حول مخاطر العنف وآثاره السلبية على الأجيال المقبلة”.
إلى ذلك، يقول المتخصص في الشؤون الاجتماعية والتربوية، فالح القريشي إن “الأرقام المعلنة بعيدة عن الأرقام الحقيقية، التي ربما هي أكثر بمرتين أو حتى أكثر من ذلك، لكن غالبية تلك الحالات لا تسجل بشكل رسمي لدى الجهات المختصة”. ويبين أن “الكثير من حالات العنف لا يُكشف عنها بسبب بعض الأعراف الاجتماعية والعشائرية، وأكيد هذا الأمر زاد من نسبة تلك الحالات بسبب عدم وجود رادع، وكذلك عدم وجود قوانين صارمة وحازمة تمنع ذلك وتحاسب من يفعل تلك الجرائم غير الإنسانية، وهذا الأمر تتحمله الطبقة السياسية، التي تعرقل تشريع القانون منذ سنين طويلة”. وحذر من أن “بقاء العراق من دون قانون واضح لردع حالات العنف الأسري سيزيد من تلك الحالات خلال السنوات المقبلة، في ظل ارتفاع نسبة تعاطي المواد المخدرة المختلفة، التي هي سبب رئيسي في ارتكاب غالبية حالات العنف الأسري ضد النساء والأطفال. ويجب تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، وعلى كل من يتعرض للعنف إبلاغ الجهات الرسمية المختصة لمنع تكرار هكذا حالات”.
وتُسجّل المحافظات العراقية معدلات غير مسبوقة للعنف الأسري تجاه النساء والأطفال وكبار السن وحتى الرجال، فيما يعزو مختصون بالشأن المجتمعي ذلك إلى الظروف غير المستقرة في البلاد سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهو ما انعكس على الوضع العام للعراقيين، وتسبب باضطرابات نفسية.