حسام الغزالي
المتابع للمشهد السوري المعقد والمتشابك عن كثب سيرى إيجابيات كثيرة تدعو للاطمئنان، ولكن هذه الإيجابيات ليست بالمستوى والثقل والحجم الذي يشير إلى قرب الاستقرار السياسي، خاصة بعد التطورات الأخيرة من ظهور تنظيم داعش من جديد ووجود جهات خارجية تدعمه، إضافة إلى الحرب في المنطقة الكردية، والتي تشير إلى حالة من الفوضى السياسية الدولية… أما داخليًا فهناك العديد من الأمور الصعبة، أهمها الحالة الاقتصادية.
وهنا لا أريد أن أكون متشائمًا أو عاطفيًا في طرح ما في جعبتي، بل أريد أن أكون واقعيًا ومنطقيًا ما استطعت.
فالسيناريوهات اليوم تحمل في طياتها مخاطر الانقلاب أو العودة إلى مربع الحرب الأهلية، فبينما يشهد العالم تحولات إقليمية ودولية كبرى، فإن الوضع الداخلي في سوريا يتسم بحالة من الغموض والارتباك، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمسار الاستقرار القريب، ومن السيناريوهات التي قد تكون ضدًا نوعيًا أو ضدًا لحالة عدم الاستقرار في حال لم يصل إلى درجات عليا، لا سمح الله، سنكون أمام مطبات صغيرة. لكن أخطر هذه المطبات هو سيناريوهات تغير الوجه السوري الحالي ومنها:
انقلاب سياسي قريب:
ومؤشر هذا الأمر، بصراحة، هو أن الأسد سقط لكن نظامه المخابراتي والعسكري مازال متخفيًا، فالأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي كانت تمثل العمود الفقري للنظام الساقط انحلت اليوم وذابت داخل المجتمع السوري، وهذه الأجهزة، كما نعلم، هي التي كانت مسؤولة عن التنظيمات الإرهابية والسيارات المفخخة والاغتيالات، وأي شرارة كهربائية تصل إلى الجسد الاستخباراتي لنظام بشار الأسد الساقط قد تخرجه من حالة السبات، وتعيد الحياة إليه، خاصة إذا كانت هذه الشرارة من دول خارجية أو من رجال أعمال، فعندها سنكون أمام عملية انقلاب سياسي بقيادة رجال الأعمال.
وما يجعل هذا الأمر أحد الاحتمالات هو أن المعارضة السورية التي كانت ضد الأسد، ليست على قلب رجل واحد، فالشخصيات التي حملت الثورة في بداياتها تعاني اليوم من انقسامات داخلية، والكثير من الأصوات التي كانت معارضة لنظام الأسد تعارض الآن نظام الشرع أيضًا، ومن هنا نرى وجود تصدعات تُضعف قدرة الشرع على تحقيق استقرار حقيقي، ولا ننسى أن العديد من الفصائل المسلحة في العديد من المناطق، خاصة في السويداء والساحل وفي المناطق الكردية، ما زالت تشكل خطورة تحيط بالمجتمع السوري داخليًا، وذلك لأنها لم ترَ تطمينات إلى اليوم.
وإذا ما عدنا إلى المؤتمر الذي عُقد في الرياض، سنرى أنه كشف عن موقف خليجي غير راضٍ نوعًا ما عما يجري داخل سوريا، باستثناء قطر التي ما زالت تتحرك في إطار مختلف، فكما ترى دول الخليج أن الهيئة السياسية المعارضة لم تتمكن حتى الآن من إشراك جميع المكونات الوطنية، بما في ذلك الطوائف والقوميات المختلفة، ضمن العملية السياسية، وهذا الإقصاء المستمر يعمّق الفجوة بين مكونات المجتمع السوري ويؤجل أي أمل في استقرار شامل.
خطأ الحكومة الحالية:
ومن هنا نعود إلى خطأ يبدو بالنسبة لي كبيرًا، وهو أن الحكومة الحالية قد بدأت تسعى لإعادة بناء الاقتصاد بالاعتماد على شخصيات كانت متورطة مع نظام الأسد الساقط، ومُدرجة على لوائح العقوبات الأوروبية والأمريكية. فالحكومة المؤقتة الحالية بدأت تسمح بعودة بعضهم، وتقدم للبعض تطمينات واسعة، وأرى أن هذه الشخصيات هي القادرة، حين تتمكن، على إشعال شرارة الحرب الأهلية، أو أنها ستبدأ تطهي عملية انقلاب مرتقبة على نار هادئة، من أمثال “حمشو”، الذي أشارت بعض التسريبات إلى تقديمه مليار دولار للبنك المركزي السوري، فقد يكون عرّاب أحد هذه التحركات، خاصة وأن دخول رجال الأعمال بهذا الشكل إلى دائرة التأثير السياسي يعكس ضعفًا كبيرًا في المنظومة الاستخباراتية للهيئة الحاكمة، ويزيد من احتمالات وقوع انقلاب سياسي يُدار من خلف الكواليس.
كذلك لا ننسى أن السلاح ما زال نشطًا في مناطق عدة داخل سوريا، وكما أسلفت، فإن أي تماس كهربائي بين السويداء مثلًا والساحل أو بين قسد ومناطق أخرى، قد يشعل فتيل صراع عسكري جديد وحرب أهلية ستصل إلى قلب العاصمة دمشق، وهذا الصراع قد يؤدي إلى انقلاب على نظام الشرع وتسليم مفاصل الدولة بسرعة تفوق سرعة سقوط الأسد نفسه.
سيناريوهات المستقبل:
من كل ما ذكرت، فإن استمرار الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية، تجعلنا نتصور سيناريوهين رئيسيين يمثلان الضد النوعي للاستقرار:
سيناريو الانقلاب: والذي ينفذه رجال أعمال يمتلكون القوة الاقتصادية والارتباطات الدولية، مستغلين هشاشة الوضع السياسي والأمني، ومعتمدين على بقايا النظام الساقط وأجهزة استخباراته، وعلى الربط مع المناطق المسلحة في الشمال والجنوب والغرب.
سيناريو الحرب الأهلية والتقسيم: إذا استمرت التوترات بين المكونات الوطنية والاجتماعية، فإن شرارة الحرب الأهلية قد تشتعل في أي لحظة، مما قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، وهذا السيناريو يخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، التي ترى في تقسيم سوريا ضمانًا لأمنها ومصالحها، ولكن هذا السيناريو بعيد نوعًا ما، كون التقسيم يحتاج إلى حرب داخلية ويحتاج إلى جهات متطرفة تدخل البلد.
بين جميع ما قلته يبقى الشعب السوري هو الضحية الحقيقية، ما لم يتم الوصول إلى الاستقرار بالصورة المُثلى، وإلا فإن الأدوات المستخدمة لتحقيق هذه السيناريوهات ستكون على حساب حياة السوريين وكرامتهم، فتحقيق الاستقرار السياسي في سوريا يتطلب معالجة جذرية وشاملة للأزمات الراهنة، دون ذلك، ستبقى البلاد عرضة للانفلات، خاصة وأن الجهاز الاستخباراتي للشرع ما زال ضعيفًا نوعًا ما، ومخترقًا، والوقت الآن ليس في صالح سوريا، والفرصة لإنقاذها تضيق مع كل يوم يمضي دون حلول واضحة.
حسام_الغزالي#