#د_هاوزین_عمر
بعد قرون من النضال و الصراع من أجل فك قيود العبودية و الاستعباد، بعد كل ما بذلتّه الأديان و رسالاتها لإنقاذ البشرية من نير الوثنية، ها و قد عادت الوثنية من جديد.
في السابق، منذ بدء الخليقة، و قبل مجئ الرسل برسالاتهم، اتخذنا من الصنم المصنوع من الحج، الذي صنعه أيادينا، اتخذناه آلهة و عبدناه، فسمينا واحدة إلهأ للخير، و آخرى للشر, و إلهأ آخرا للجمال….الخ.
فعلنا هذا جهلا و خوفا، خوفا من الطبيعة و جبروتها و قوانينها المتقلبة. بعد نضال دام ألوف السنين، قدم من خلالها الرسل و العقول المستنيرة حياتهم قرابين لإصال البشرية إلى مرحلة تكون فيها الإنسان سيد نفسه، و يكون بمقدوره فك كل الأصلاد و الزناجير التي طالما قيده و حدَّ من آدميته، ها قد عدنا طوعا عبدأ من جديد.
العبودية الجديدة، تختلف عن الوثنية الأولى، الأولى كما قلنا كانت من الجهل و الغباء و الخوف من الطبيعة، أما الجديدة، مردها ذكاء الإنسان و دهائه، أي بعد أن وصلنا إلى ما يسمى بفتنة الذكاء لا سيما بعد أن بدأنا بتحويل الآلة والتكنلوجيا كمصدر للراحة و الرفاهية و التقدّم، إلى ماكنة و ترسانة تعصرنا و تفككنا.
عصرنا هذا، عصر وثني، التكنلوجيا و الآلة تصنعهما الإنسان و تعبدهما!! فلم يعد الصنم صنما تقليديأ من طين و حجر، إنه صنم موديرن، مصنوع من الحديد و الأسلاك الكهربائية والألياف الضوئية والذبذبات و الخوارزميات.
لقد جعلنا من أنفسنا خاضعين طائعين. و لكي لا يفهمني القارئ بأنَّ قلمي عكس تيار الحداثة وما آلت إليها التكنلوجيا الرقمية و الشبكة العنكبوتية…الخ, أقول ليس العيب في الآلة و الإنترنيت التي غيرت مجرى حياة البشرية، وإنما سلوكنا واستسلامنا لها غدت أمرا طاغياً لا حول لنا ولا قوة، و تفاعلنا معها دون دراية عميقة وفطنة ذكية بحيث نسخرها إيجابياً لا تسخرنا سلبياً، حفاظاً على مشاعرنا وجعلها متوازنة مع عقولنا، بما ينبئ عنها من رذائل حميدة تنتهي إليها.
ولا جدال في أنَّ من متطلبات الحياة الآنية ليس بمقدور أحد الاستغناء عن كل هذه التكنلوجيا و كأنها لم تكن، لكن لا للإدمان، فلإدمان تؤول إلى العادة المفرطة.
وبما أنَّ التكنلوجيا من ضرورات الحياة، تتشابك الضرورات فيها يوماً بعد يوم، لكن من خلال حسن التفاعل معها تصبح وسيلة للتسهيل والرفاهية، لا مالكاً تسخرنا فعلاً و زمناً، بحيث نخضع تحت تأثيرات سلبية استخدام هذه التكنلوجيا لا سيما شبابنا والنشئ، بشكل تؤول إلى تكنلوجيا سعيدة، لا سيما عند الشباب والنشئ، بشكل يثبت الإنسان سيادة إنسانيته، لا إنسانية سيادة الآلة.