د. سعد الهموندي
تُعد قضية الوحدة الكوردية من أكثر المواضيع تعقيدًا وحساسية في الشرق الأوسط، خاصة في أيامنا هذه والتفاعلات السياسية التي تدور في المنطقة سواء في سوريا وتركيا وحتى العراق، فالكورد، الذين يشكلون واحدة من أكبر القوميات في العالم بدون دولة مستقلة، يعيشون في مناطق موزعة بين سوريا، العراق، تركيا، وإيران، وبعض مناطق أرمينيا جغرافيًا، وعلى الرغم من الروابط الثقافية والاجتماعية المشتركة بين الكورد في هذه الدول، إلا أن الانقسامات السياسية والجغرافية تعيق تحقيق وحدة ثقافية وسياسية كوردية شاملة.
لقد لعب الكورد دورًا بارزًا في تاريخ الشرق الأوسط، حيث ناضلوا على مدار عقود طويلة من أجل تحقيق حقوقهم القومية والثقافية، ففي العراق، استطاع الكورد تأسيس إقليم كوردستان ككيان شبه مستقل يتمتع بحكم ذاتي وفق الدستور العراقي، والقوانين الناظمة له أما في سوريا، فقد ظهر الكورد كقوة مؤثرة خلال الأزمة السورية، حيث تمكنوا من تأسيس إدارة ذاتية في شمال وشرق البلا.
لكننا لا ننكر أن هناك تحديات تواجه الوحدة الفكرية والسياسة فيما بينهم، وأول هذه التحديات يبدأ من السياسات القمعية للدول المحيطة، والتي تعتبر عقبة كبيرة أمام أي تقارب كوردي -كوردي.
كذلك هناك أحزاب كوردية متنافسة بأيديولوجيات متباينة، والتي أدت وللأسف الشديد إلى انقسامات داخلية، أي داخل المجتمعات الكوردية، وخاصة بين كورد سوريا والعراق، ومن هذه النقطة بالتحديد ظهرت مصالح الدول الكبرى في الانقسام والتشتت الكوردي، وأثرت بصورة سلبية على أي قرار كوردي، وخاصة أن دولًا مثل تركيا وإيران، يعتبران أي وحدة سياسية أو تقارب أيديولوجي تهديدًا لأمنهما القومي، لكن وبالمقابل لا ننكر وجود تقاربات في الهوية الثقافية المشتركة رغم كل محاولات الإبعاد والتفرقة، فالأهداف طويلة الأمد تقوم على تحقيق الحقوق القومية، وأقلها تحقيق الحكم الذاتي واللغة الرسمية كلغة معترف بها في الدول التي تحوي مكون كوردي جغرافي ثابت مع الاعتراف الدولي.
وهنا علينا أن نذكر تجربة إقليم كوردستان الذي تمكن عبر سنوات النضال في تمتعه بحكم ذاتي، مع حكومة مستقرة وقوات أمن فعالة، حيث أثبتت حكومة إقليم كوردستان، بقيادة الرئيس مسرور بارزاني، أنها لاعب أساسي في تعزيز الهوية الكردية والدفاع عن حقوق الكورد في المنطقة، وقد لعب رئيس الحكومة مسرور دورًا محوريًا في تعزيز الحوار بين الأطراف الكوردية المختلفة، سواء داخل العراق أو مع كورد سوريا وحتى تركيا، وإذا أخذنا مؤخرًا مؤتمر دافوس سنرى أن حضور مسرور بارزاني كان مميزًا، حيث ركز على دور إقليم كوردستان في تحقيق الاستقرار الإقليمي، كما أشار إلى أهمية الوحدة الكوردية سياسيًا كوسيلة لتعزيز الموقف الكوردي على الساحة الدولية.
فدعواته إلى توحيد الصفوف بين الكورد في سوريا والعراق كان أساسيًا مع تأكيده على أهمية تجاوز الخلافات السياسية، وشدد على أهمية التعاون مع المجتمع الدولي لدعم حقوق الكورد في سوريا، وخاصة في مجالات الأمن، الاقتصاد، والتعليم، وقدم تجربة إقليم كوردستان كنموذج ناجح يمكن أن يلهم كورد سوريا كذلك لتحقيق هذه الوحدة، وهذا الأمر ييمكن أن يحقق أحد أشكال الوحدة بين كورد سوريا والعراق عبر إنشاء اتحاد فيدرالي، مع احتفاظ كل طرف بخصوصيته السياسية، إضافة للتعاون في مجالات التجارة والطاقة والذي قد يكون خطوة أولى نحو تحقيق تقارب أكبر.
إضافة إلى توحيد الجهود الأمنية لمواجهة التهديدات المشتركة، مثل تنظيم “داعش الإرهابي”، ويمكن أن يعزز الروابط بين الطرفين.
إن تحقيق الوحدة الكردية فكريًا وسياسيًا في الوقت الحالي بين كورد سوريا والعراق يواجه تحديات كبيرة، ولكن العوامل المشتركة بين الشعب الكوردي في هاتين الجغرافيتين يوفر أرضية صلبة للعمل نحو مستقبل أكثر تعاونًا، وتقدم حكومة إقليم كوردستان اليوم بدورها الفعال من الزعيم مسعود بارزاني ورئيس الحكومة مسرور بارزاني، نقطة محورية في تحقيق هذا الهدف، خاصة من خلال تعزيز الحوار وتقديم نموذج ناجح للإدارة الذاتية، ومع استمرار الدعم الدولي والإقليمي، يمكن أن يكون هذا التمازج هدفًا قابلًا للتحقيق في المستقبل.