د.نادية طلعت سعيد
ظاهرتا النينو، والنينا هما تغيرات دورية في درجات حرارة سطح المحيط الهادئ، وهما جزءان مما يعرف بظواهر “ENSO” (El Niño-Southern Oscillation)، والتي تؤثران على الأنماط المناخية في أنحاء العالم جميعًا، وتعد هاتان الظاهرتان جزءان مما يُعرف بمناخ المحيط الهادئ، وتأثيره على المناخ العالمي. تتكون هاتان الظاهرتان بسبب التغيرات في درجات حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ الاستوائي.
1 – ظاهرة النينوEl Niño)): ظاهرة النينو هي جزء من تذبذب طبيعي في المناخ يتميز بارتفاع درجة حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ الاستوائي، وهي تحدث بشكل غير منتظم كل (سنتين) إلى (سبع) سنوات تقريبًا. ويترافق حدوث ظاهرة النينو بتغيرات في أنماط التيارات الهوائية، والمطرية في أنحاء العالم جميعًا. الآلية التي تؤدي إلى حدوث ظاهرة النينو معقدة، وتتضمن العديد من العوامل المترابطة، ومع ذلك يمكن تلخيص العملية الأساسية لحدوث النينو في الخطوات الآتية:
- انحراف في التيارات الرئيسية: تبدأ عادةً عملية النينو بانحراف في التيارات البحرية الرئيسية، مثل التيار البيروفي البارد الذي يجري عادةً من الجنوب إلى الشمال على طول الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية.
- انعكاس الأشعة الشمسية: يبدأ ارتفاع درجة حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ الاستوائي بانعكاس الأشعة الشمسية بشكل أكبر مما تعتاد عليها الطبيعة. هذا الارتفاع في درجة حرارة سطح المياه يتم توزيعه على مدى واسع في المحيط الهادئ.
- تغييرات في الضغط الجوي: يؤدي ارتفاع درجة حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ إلى تغييرات في الضغط الجوي فوق المحيط مما يؤثر على أنماط التيارات الهوائية عبر المحيط الهادئ.
- تأثيرات على النظم الجوية العالمية: تؤدي هذه التغييرات في أنماط التيارات الهوائية، والضغط الجوي إلى تأثيرات على النظم الجوية العالمية بما في ذلك تغييرات في أنماط الرياح، والمطر في أجزاء مختلفة من العالم.
2 – ظاهرة النينا La Niña)):الآلية التي تؤدي إلى حدوث ظاهرة النينا معقدة، وتشمل عوامل متعددة تتفاعل مع بعضها البعض كما يأتي: تحدث ظاهرة النينا عادةً عندما يصبح سطح المياه في المحيط الهادئ الاستوائي أبرد من المعتاد. ويحدث هذا الانخفاض في درجة حرارة سطح المياه عادة بسبب تغييرات في تيارات الرياح، أو بسبب ظواهر معينة، مثل تبريد الهواء فوق المحيط. يؤثر انخفاض درجة حرارة سطح المياه على تيارات الرياح الرئيسية في المحيط الهادئ. ويمكن أن يؤدي هذا التأثير إلى تغييرات في حركة الهواء، وتوزيع الضغط الجوي في المنطقة مما يؤدي في النهاية إلى تشكل ظاهرة النينا. إنّ تأثير الضغط الجوي: يساهم انخفاض درجة حرارة سطح المياه في تغييرات في الضغط الجوي فوق المحيط الهادئ. وهذه التغييرات في الضغط الجوي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في نمط الرياح، والتيارات الهوائية مما يؤثر بدوره على درجة حرارة سطح المياه، ويعزز ظاهرة النينا. قد تؤثر الظواهر الجوية الأخرى، مثل الضغط العالي، أو الضغط المنخفض في المناطق المجاورة على حدوث ظاهرة النينا. ويمكن أن يعزز تفاعل هذه الظواهر مع بعضها حدوث تغيرات في درجة حرارة سطح المياه، ومن ثم يساهم في حدوث النينا. وبشكل عام يظل تفسير ظاهرة النينا موضوعًا للبحث، والدراسة المستمرة، وما زالت هناك تفاصيل كثيرة تحتاج إلى فهم أعمق لآلياتها، وتأثيراتها.
أثر الظاهرتين في تغير المناخ: تأثير ظاهرتي (النينو، والنينا) على تغير المناخ يمكن أن يكون شاملًا، ومتعدد الأوجه. إليك بعض التفاصيل الإضافية حول أثرهما على المناخ: تغيرات في أنماط الهطول: خلال فترة النينو يُلاحظ تغيرات في أنماط الهطول حول العالم مع ارتفاع في كميات الأمطار في بعض المناطق، وانخفاض في أخرى، فعلى سبيل المثال قد تشهد مناطق الهادئ الغربية القريبة من أستراليا، وجنوب شرق آسيا جفافًا متزايدًا بينما تعاني مناطق أخرى مثل جنوب الولايات المتحدة الأمريكية من فيضانات، أو أمطار غزيرة. أما خلال فترة النينا، فقد تشهد بعض المناطق تزايدًا في كميات الأمطار مع تأثيرات متباينة على الأنظمة المطرية في أنحاء مختلفة من العالم.
التأثير على درجات الحرارة: يمكن أن تؤدي ظاهرتا (النينو، والنينا) إلى تغييرات في درجات الحرارة حول العالم، إذ يمكن أن ترتفع الحرارة في بعض المناطق، وينخفض في أخرى. يعتمد ذلك على الأنماط الجوية المتغيرة التي يؤثر عليها سطح المحيط الهادئ.
تأثيرات على الحياة البحرية والنظم البيئية: قد يؤدي ارتفاع درجة حرارة سطح المياه خلال فترة (النينو) إلى تغيرات في توزيع الأسماك، والأحياء البحرية الأخرى. وهذا يمكن أن يؤثر على صيد الأسماك، واقتصاد المناطق التي تعتمد بشكل كبير على الصيد البحري، ويمكن أن تؤدي التغيرات في الهطول، ودرجات الحرارة أيضًا إلى تأثيرات على النظم البيئية البرية، مثل زيادة الجفاف، وانخفاض كميات المياه الجوفية في بعض المناطق مما يؤثر على النباتات، والحيوانات البرية.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية: يمكن أن تؤثر التغيرات في الطقس، وأنماط الهطول الناتجة عن ظاهرتي (النينو، والنينا) على الاقتصادات المحلية، والعالمية. على سبيل المثال قد تتسبب الفيضانات، أو الجفاف في خسائر كبيرة للمزارعين، وتؤثر على إمكانية الحصول على المواد الغذائية بأسعار معقولة بالإضافة إلى ذلك قد تزيد التغيرات المناخية المترتبة على (النينو، والنينا) من حدة الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير، والعواصف الاستوائية مما يؤثر على المجتمعات الساحلية، والبنية التحتية للمناطق المتأثرة. بشكل عام، يمكن أن تؤدي ظاهرتا (النينو، والنينا) إلى تغيرات كبيرة، ومعقدة في النظم البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية حول العالم، ويجب دراستها، وفهمها بعناية لتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة التحديات المترتبة عنها.