#سعد_الهموندي
تعيش منطقة الشرق الأوسط اليوم حالة من الاضطراب والصراعات السياسية المعقدة التي تحولت إلى ساحة معركة مفتوحة على مصراعيها، إذ بدأت المنطقة تشهد تغييرات جذرية بعد سقوط نظام بشار الأسد الديكتاتوري في سوريا، وهو ما فتح أبواب مرحلة جديدة من التحديات، خصوصًا على صعيد الدول ذات التكوينات العرقية المتعددة مثل العراق وسوريا وتركيا وإيران، لكن، في خضم هذا التحول الكبير، يبدو أن الأحزاب الكوردية خاصة ضمن هذه الدول ما زالت غارقة في صراعاتها الداخلية، متجاهلة العواصف السياسية الكبرى التي تهز المنطقة.
ففي الأيام الماضية بدأنا نشعر أن عاصفة هوجاء تتحرك ضمن عدة مناطق في الشرق الأوسط، عاصفة سوريا، عاصفة تركية، وارتدادة إيرانية، وكل هذه العواصف تشير إلى أن المنطقة قد تقترب لتكون ساحة للاقتتال والصراعات السياسية الداخلية، خاصة وأن نظام الأسد لم يسقط كنظام حكم، بل سقط كمنظومة سياسية كاملة، ممثلة فرصة للتطور والتغيير، لكن وللأسف مازلنا نرى العديد من الجماعات السياسية الكوردية لا تزال أسيرة للخلافات الداخلية، الأمر الذي يعيق قدرتها على التوحد والمشاركة الفعالة في بناء مستقبل أفضل للمواطن الكوردي أينما كان، ففي سوريا، رغم أن الكورد كانوا جزءًا أساسيًا في المعركة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، وبقية الجماعات المتطرفة، إلا أن صراعاتهم السياسية ساهمت في تشتت قوتهم، أما في العراق، فالأحزاب الكوردية، رغم تمتعها بنظام حكم ذاتي في إقليم كردستان، إلا أن بعضها مازال منقسمًا ويغرد خارج السرب، وهو ما يعوق تحقيق استقرار سياسي واقتصادي حقيقي، فالخلافات السياسية الكوردية بالضرورة ستؤثر بشكل كبير على القضية الكوردية بشكلها العام، وستؤدي بالضرورة إلى خلق أزمات داخلية.
في تركيا مثلا نرى أن المكون الكوري يواجه تحديات كبيرة في ظل السياسة القمعية، ورغم ذلك نراه منقسم داخليًا، مع حدة واضحة في عدم التفاهم للوصول إلى حصولهم على حقوقهم السياسية والثقافية.
إن الصراعات بين الأحزاب الكوردية تواجه اليوم تحديًا كبيرًا لآمال الكورد وهو ما يعكس انقسامًا عميقًا في الرؤى السياسية حول كيفية التعامل مع القوى الكبرى في المنطقة مثل تركيا وإيران، والولايات المتحدة الأمريكية، وفي العراق قد لا يختلف الحال كثيرًا، حيث تظهر خلافات حادة من بعض الأحزاب، مع محاولة البعض خلق انقسامات ستساهم بالضرورة في تشتيت القوة الكوردية وخلق أزمات سياسية تؤثر سلبًا على تقدم القضية الكوردية.
وهنا نقول يبقى المواطن الكوردي في قلب هذه الصراعات، لذا من المهم أن يتم التذكير بأن المواطن الكوردي، سواء كان في العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران، يجب أن يكون هو المعني الأول بتوجيه الأنظار بعيدًا عن العواصف السياسية التي تهدد استقراره وحياته اليومية، فلا يجب أن يكون المواطن الكوردي ضحية لخلافات الأحزاب وصراعاتها التي تضر بمصالحه الأساسية.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها المواطن الكوردي في هذه البلدان، إلا أن الأمل يبقى في أن تتوحد الرؤى السياسية وتتوفر الإرادة الحقيقية من أجل تحقيق الاستقرار والسلام، فما تحتاجه المجتمعات الكوردية في المنطقة هو التركيز على تعزيز الأمن والتنمية والتعاون بين مختلف القوى السياسية والجهات الفاعلة الدولية، ويجب على الأحزاب الكوردية أن تضع خلافاتها جانبًا وأن تسعى لتحقيق المصلحة العامة بدلًا من الانغماس في الصراعات الداخلية التي تؤدي إلى تعطيل تقدمهم.
فإذا كان من الممكن تصحيح المسار، فإن الخطوة الأولى هي توحيد الصفوف الكوردية على قاعدة من الحوار والتعاون، ويجب على القوى السياسية الكوردية أن تدرك أن المرحلة المقبلة تتطلب منها الاستعداد لتقديم تنازلات من أجل مصلحة الشعب الكوردي ككل، كما أن التصدي للتهديدات الخارجية التي تواجهها المنطقة يتطلب تضافر الجهود وتوحيد المواقف لمواجهة التحديات السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يركز الخطاب السياسي الكوردي على قضايا المواطن اليومية مثل التعليم، الصحة، الأمن، وفرص العمل، فهذه القضايا يجب أن تكون على رأس الأولويات، لا أن تُهمل بحجة المخاطر التي تحيط دائرة العمل السياسي، فبناء مجتمع مستقر يبدأ من تأمين احتياجات المواطن الأساسية.
نهاية أقول إن منطقة الشرق الأوسط تحتمل تهديدات وصراعات مستمرة في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها، ورغم ذلك فإن الكورد لا يزالون يعانون من تشتت سياسي داخلي يعوق تقدمهم، وهو ما نرجو أن يتلاشى قبل وصول العواصف