سيد محمود
للسينما الكردية خصوصيتها التي تميزها عن السينما العربية، فبرغم قلة إنتاجها إلا أنها تلقى قبولاً لدى المشاهدين في مهرجانات السينما، ومنها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ففي سنوات تألقها ومنها عام 2006 كانت حديث المشاهدين والنقاد عند عرض الفيلم الكردي “عبور من الغبار”، وذلك في أبريل من ديسمبر عام 2006.
وقد تساءل كثيرون في الدورة الـ45 من مهرجان القاهرة السينمائي المنقضية في 22 من نوفمبر 2024، عن غياب السينما الكردية والعراقية، حيث التواجد العربي منقوص بغياب المشاركات ذات الطبيعة الخاصة وعن شعوب يحتاج المشاهد السينمائي معرفة تفاصيل كثيرة عنها، وبخاصة مع التطور الديموغرافي حالياً بسبب ما مرت به المنطقة من حروب وأزمات.
والسينما الكردية نشأت على أيدي أبنائها وعلى رأسهم يلماز بوتون جوناي، المولود عام 1937 في كردستان، الملقب بالأب الروحي للسينما الكردية، وهو روائي وسينمائي تعرض للسجن لسنوات طويلة.
وقد بدأ رحلته مع السينما في 1957 كمساعد مخرج لفيلم “أبناء هذا البلد”، ومن بعدها عمل كممثل في 400 عمل سينمائي، منها 110 أفلام بدور البطولة، وكان ملقباً بـ”السلطان القبيح”. كما أخرج 18 فيلماً سينمائياً.
ونال يلماز جوناي 17 جائزة سينمائية ممثلاً ومخرجاً، منها حصوله على السعفة الذهبية في مهرجان كان عن فيلمه الشهير “الطريق”، وأنهى مسيرته السينمائية بفيلم “الجدار”. ويُعزى له أنه وضع السينما الكردية في مصاف السينما الفرنسية والأمريكية والبريطانية بحصولها على السعفة الذهبية عام 1982.
وقد ظلت السينما الكردية تحاول إثبات ذاتها في المحافل الدولية، ويعد فيلم “ميسي بغداد” للمخرج الكردي سهيم عمر خليفة، والذي كان متوقعاً عرضه في الدورة الـ45 من مهرجان القاهرة السينمائي المنتهية، ولكن في العام الماضي قبيل تأجيلها، إلا أن عرضه في محافل ومهرجانات أخرى حال دون عرضه في الدورة بعد إقامتها. ويُعرف سهيم عمر بين جمهوره بأنه المؤلف والمخرج السينمائي الكردي العراقي المؤثر في المشهد السينمائي، وهو من مواليد عام 1980. فيلمه القصير “أرض الأبطال” (2010) حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين السينمائي الدولي. حظيت أفلامه بعد ذلك، مثل “ميسي بغداد” و”الصياد السيء”، باهتمام المهرجانات، حيث دخل الفيلمان ضمن القائمة الطويلة لترشيحات الأوسكار.
وقد كتب “سهيم” وأخرج أفلاماً مهمة مثل “زاجروس”، و”جمال العراق الخفي”، وهو من آخر أعماله، حيث كتبه وأخرجه بعد عرض فيلمه “ميسي بغداد”. وهو عن قصة مصور الفوتوغرافيا “لطيف العاني” الذي صور العراق في فترة ما قبل الحرب، ويُعيد تجربته مجدداً في يومنا المعاصر بحثاً عن الأشخاص والأماكن بالصور، ورؤية مدى تأثير الحرب على وطنه. وشارك هو في بطولته حيث مثل في معظم الأفلام، ومعه أبو إلياس، وأبو بسام.
وبرغم قلة أعمال “سهيم” إلا أنه يتناول أفكاراً لها واقعها على المشاهدين. ففيلمه “ميسي بغداد”، الذي قدم فيه صورة “بغداد” التي مزقتها الحرب، حيث يتعرض “حمودي” البالغ من العمر 9 أعوام للقصف خلال ممارسته رياضة كرة القدم ويفقد ساقه. وعلى الرغم من انهيار حلمه بأن يصبح لاعباً محترفاً إلا أنه يتمسك بشغفه الكبير تجاه كرة القدم.
وكان الدافع لتلك التجربة أن المخرج “سهيم” محب لكرة القدم، وأراد من خلال تلك اللعبة التي عشقها أهالي المنطقة، العراق وكردستان، أن يقدم صورة سينمائية إنسانية قبل أن تكون فيلماً سينمائياً فقط. وقد تعاطف الجمهور مع الفيلم لدرجة أهلته لأن يتم عرضه في محافل ومهرجانات عالمية كثيرة، وأصبح أيقونة سينمائية يتغنى بها أهالي كردستان العراق، كونه عملاً يرصد حالة واقعية يمكن أن نراها في أي بيت عربي أو بيت عراقي تحديداً حيث الحرب التي لم ترحم أحداً.
ويمكن القول بأن الظروف التي مرت بها المنطقة أسهمت كثيراً في هجرة مخرجين أكراد، لكنهم يعودون إلى حضن الوطن مرة أخرى مثلهم مثل باقي أبناء العراق من السينمائيين. وقد يحزن كثيرون عندما يعلمون أن فيلماً مثل “الطريق” أُنتج عام 1982 يحمل جنسية تركية مع أنه من تأليف وإخراج السينمائي الكردي يلماز جوني، وقام بتنفيذ الإخراج شريف جورن إذ كان يلماز جوني يقضي فترة سجنه الثانية. ولكن أبناء كردستان يتعاملون معه على أنه فيلم كردي برغم أن التصنيف تركي في الموسوعات السينمائية.
ومع بدايات 2020 بدأت نهضة سينمائية مختلفة لخريجي المعاهد والأكاديميات في مناطق عدة مثل السليمانية، حيث ظهرت مواهب شابة مثل المخرجة الكردية الشابة أژين كاوه، وهي خريجة قسم السينما، كلية الفنون بجامعة السليمانية، وهي ابنة الفنان المسرحي والدرامي كاوه جوتيار. فازت أژين كاوه بالجائزة الأولى لمنظمة (ڕوانگه) عن فيلمها القصير “1-6” في مهرجان أربيل السينمائي، وشاركت في عدة مهرجانات سينمائية في كردستان وخارجها بفيلمها القصير “الطرق”، وشاركت في مهرجان كان السينمائي بفيلمها القصير “الطرق”، إنتاج مديرية سينما دهوك. ويحكي الفيلم قصة الهجوم الوحشي لمسلحي داعش على المدنيين في شنكال وقتلهم المدنيين وتدميرهم المدينة، وتبلغ مدته 20 دقيقة.
وقد تكون الظروف التي أثرت في البناء الفني للمنطقة خلال سنوات الحروب، حالت دون إنشاء حتى دور العرض السينمائية. فمدينة مثل “أربيل” بإقليم كردستان العراق تعاني من عدم وجود دور عرض كافية لمحبي السينما مع أنها كانت ملتقى الجمهور، وتحتاج السينما إلى دعم حتى ينتج صناع الأفلام ما يقدمونه للمهرجانات، وهي أيضاً تحتاج إلى مهرجان سينمائي يتحدث بلسان صناع السينما بها. إذ كانت أربيل في الستينات تزخر بدور عرض تجاوزت الـ6 دور عرض. فالسينما في مدينة عربية مثل مصر تعاني أيضاً نفس الأزمات، فمدن الصعيد في مصر ليس بها سينمات، وهو حال السينما العربية، وبخاصة في الدول التي شهدت ميلاد السينما مثل العراق ومصر وكردستان.