يشهد إقليم كردستان إقبالاً متزايداً من السياح الخليجيين، خلال موسم الشتاء، ما يجعل نشاط السياحة خلال هذا الفصل رافداً مهماً لدعم الاقتصاد المحلي، خصوصاً أعمال القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة. وقد طوّرت مدن كردستان كثيراً البنى التحتية لقطاع السياحة المرتبطة بالدرجة الأولى بوجود مواقع طبيعية خلابة ومناطق تتزين بالثلوج خلال الشتاء.
وتعتمد شريحة كبيرة من سكان الإقليم على قطاع السياحة مصدرا أساسيا للدخل، خصوصاً أن مدن الإقليم تقدم تجارب متنوعة في السياحة الشتوية، مثل التزلج، والاستمتاع بأنواع من وسائل الترفيه وسط الثلوج.
إلى ذلك، تضيف المناطق الطبيعية، مثل شلالات بيخال ومتنزهات جبل كورك، رونقاً خاصاً يجذب العائلات والمغامرين على السواء، بحسب ما يقول الخبير السياحي محمد فتاح “.
ويستعرض فتاح مجموعة من أهم مناطق الجذب السياحي الشتوي في مدن شمال العراق، من بينها جبل كوركك وجبل كارة وبنجوين وسكران وبرزة، ومناطق أخرى ذات ميزات مشابهة. ويلفت إلى أن “هذه المناطق توفرّ آلاف فرص العمل للشركات والأفراد في مجالات مختلفة، وهي تمثل اليوم مقصداً للسياح الذين تمنحهم فرص الاستمتاع بالتنزه وسط الثلوج والمناطق المغطاة بالرداء الأبيض، وممارسة الألعاب والرياضات المختلفة، ومن بينها التزلج والطيران المظلي. كما توفر خدمات الفنادق والأسواق والمطاعم والمقاهي، ما يسمح للسائح بممارسة كل الفعّاليات السياحية الخاصة بالشتاء في مكان واحد”.
يتابع: “تُعد هذه المناطق وغيرها من الوجهات السياحية في إقليم كردستان، عوامل جذب رئيسية تجمع بين الطبيعة الساحرة والمرافق الترفيهية التي تلبي احتياجات جميع الزوار. وعموماً تساهم هذه الحركة السياحية في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفر فرص عمل جديدة للسكان، وتدعم المشاريع الصغيرة مثل متاجر المنتجات التقليدية والمطاعم المحلية. ومع استمرار تساقط الثلوج، يتوقع أن يستمر الإقبال على كردستان وجهةً سياحية مميزة خلال الشتاء”.
ويتحدث عيسى المحمد، وهو سائح كويتي عن زيارته لكوردستان، ويقول “أزور الإقليم للمرة الرابعة، وللمرة الثالثة خلال فصل الشتاء، وأنا أستمتع جداً مع أصدقائي بالسياحة الشتوية. ومن الميّزات التي تجذبني مع كويتيين آخرين إلى إقليم كردستان والذي لا تتوفر في بلدان أخرى، قرب العراق من الكويت، والتكلفة المنخفضة التي تشكل ميزة إضافية للسياحة في العراق حيث يمكن أن ينفق شخص أقل من نصف ما ينفقه في دولة أخرى توفر نفس الخدمات”.
إلى ذلك تدفع طبيعة المجتمع العراقي التي تشبه طبيعة المجتمعات الخليجية والتحسّن الكبير في مستوى الأمان وتنوّع الخدمات والمصنوعات المحلية والأسعار الرخيصة السعودي عبد الرحمن القحطاني إلى اصطحاب عائلته للاستمتاع بالأجواء الشتوية في مدن كردستان العراق.
ويتحدث القحطاني عن أنه يدأب على زيارة كردستان العراق في شكل مستمر منذ عام 2020، ويلفت إلى أن الأجواء الشتوية في الشتاء سبب قدومه للعراق تحديداً، “فهي ساحرة، وتستحق المجيء مع عائلتي والمكوث عدة أيام”.
ويشير إلى أن “أسعار المنتجات المحلية المختلفة من أطعمة ومصنوعات شعبية زهيدة جداً مقارنة بتلك في دول أخرى، وهناك تنافس في أسعار الضيافة والفنادق والمنتجعات الشتوية”. يتابع: “أنفق مع زوجتي وأطفالي الثلاثة أقل من خمسة آلاف دولار خلال أسبوع نستمتع فيه بأجواء الثلج والتنزه والتسوق والنزول في أرقى الفنادق”.
7.5 ملايين سائح
ويعكس تحوّل إقليم كردستان إلى مركز جذب سياحي خلال الشتاء واقع احتضانه إمكانات كبيرة تسمح بتنويع مصادر الدخل وتعزيز التنمية الاقتصادية، ما يفتح آفاقاً أوسع لتطوير السياحة في المنطقة. وأظهرت أحدث التقارير الرسمية أن إقليم كردستان استقبل 7 ملايين و500 ألف سائح عام 2023، بزيادة أكثر من مليون سائح مقارنة بعام 2022 حين استقبل 6 ملايين و35 ألف سائح.
وجاءت الزيادة نتيجة الإقبال الكبير من السياح المحليين من مختلف محافظات العراق، وآخرين من خارج البلاد، خصوصاً من دول الخليج والدول المجاورة. ويساهم الإقبال الكبير من السياح الخليجيين تحديداً على إقليم كردستان العراق، من أجل الاستمتاع بجمال الطبيعة والأجواء والخدمات والترفيه خلال موسم الشتاء، في ازدهار القطاع الاقتصادي المحلي، خصوصاً في مجالات المطاعم والأسواق والحرف اليدوية.
ويقول لطيف فرهاد، وهو مدير مطعم شعبي في مدينة السليمانية، “تشهد أعمال المطعم نمواً مستمراً بسبب الإقبال الكبير من السياح على الأكلات التقليدية العراقية العربية والكردية. ويفضل السياح الخليجيون تجربة الأطعمة الشعبية مثل المشاوي والأسماك التي تعد بالطريقة العراقية، ما يزيد الإيرادات اليومية”.
ويروي ماجد صديق، وهو صاحب محل لبيع الحلوى الشعبية، أن السياح يهتمون بشراء منتجاته التي تمثل جزءاً من الصناعة المحلية. ويقول: “أكثر المنتجات التي تجذب السياح هي السجق بمختلف أنواعه وراحة الحلقوم والمن والسلوى والسمسمية، وهذه المنتجات تمثل جزءاً من الهوية الثقافية للإقليم، ويشتريها السياح بكميات كبيرة من أجل تقديمها هدايا”.
من جهته، يتحدث بائع مصنوعات يدوية وهدايا شعبية يدعى هيثم دلشاد عن أن مبيعاته زادت. ويشير إلى أن السياح، خاصة الخليجيين يهتمون بشراء الزي الكردي التقليدي والحُلي الشعبية التي تعبر عن التراث الكردي، بما هي تذكارات أو لتقديمها هدايا لدى عودتهم إلى بلادهم.
ويقول دلشاد الذي يرتدي الزي الكردي: “يشتري بعض السياح الزي الكردي ويرتدونه أثناء تجولهم في كردستان العراق، فهم يحبون أن يجربوا ممارسة تقاليد السكان على صعيد اللباس وطريقة تناول الطعام وغيرها”. ويقول دلشاد وباعة آخرون في مدن كردستان العراق إن النسبة الكبرى من وارداتهم تعتمد على السياحة، ويؤكدون أن السياح الخليجيين هم الأكثر إنفاقاً ومساهمة في دعم الاقتصاد المحلي