لطالما مثّلت الأحياء القديمة في بغداد نواة المدينة الأولى ومنطلق عمرانها وتقاليدها وحياتها الاجتماعية منذ العصر العباسي، مروراً بالمراحل العثمانية والملكية، وحتى العقود الأخيرة من الدولة العراقية الحديثة.
وظلت هذه الأحياء تحافظ على قيمتها الرمزية في ذاكرة البغداديين بما تحتضنه من عمارة تراثية ضيقة الأزقة، ومنازل متلاصقة تنبض بالحياة والدفء الشعبي.
ورغم ما تعانيه هذه المناطق اليوم من تهالك عمراني واضح، وتراجع كبير في مستوى الخدمات عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، إلا أن أسعار العقارات فيها تشهد ارتفاعاً غير مسبوق، وصل في بعض الحالات إلى مستويات تفوق أسعار الأحياء الجديدة أو الراقية في أطراف العاصمة. ويُعزى هذا الارتفاع إلى عوامل متعددة تتجاوز القيمة الحقيقية للعقار.
من بين أبرز هذه الأحياء: العوّادين، باب الشيخ، الفضل، سوق حنون، الشاكرية، أبو سيفين، قنبر علي، الفحامة، الكرخ القديمة، الرشيد، وأزقة ومناطق كثيرة في منطقتي الكاظمية والأعظمية، وغيرها من المناطق التي كانت حتى وقت قريب تعاني من الإهمال، لكنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى مواقع جذب لجهات غير تقليدية تعمل على إعادة تشكيل التركيبة السكانية.
قفزة أسعار العقارات في بغداد
في هذا السياق، يقول المختص العقاري حسام الشيخ إن السنوات الأخيرة شهدت فيها أسعار العقارات في الأحياء القديمة في بغداد، مثل العوّادين، باب الشيخ، الفضل، وغيرها، ارتفاعاً ملحوظاً. وعلى الرغم من تدهور البنية التحتية والخدمات في هذه المناطق، فإن أسعار العقارات في بعض الأحياء ارتفعت بنسب تراوح بين 15% و30% مقارنة بالسنوات السابقة.
وبيّن الشيخ أن هذه الزيادة غير مبررة بالعوامل الطبيعية للسوق من حيث العرض والطلب، بل هي نتيجة لعمليات شراء منظمة وواسعة النطاق تستهدف تلك المناطق.
وأضاف أن العديد من العائلات البغدادية التي تعيش في هذه الأحياء تجد نفسها في مواجهة صعوبات اقتصادية تجعلها تضطر إلى بيع ممتلكاتها بأسعار تفوق التصورات المحلية، وذلك في كثير من الأحيان بسبب حاجتها الماسة للمال.
وأفاد الشيخ بأن بعض العمليات تتم عبر سماسرة وشركات غير معروفة تماماً في السوق العقاري، وهو ما يساهم في رفع الأسعار بشكل غير مبرر أو قد يؤدي إلى استغلال وضع السكان المحليين، الذين قد يقبلون البيع بأسعار أقل بكثير مما قد يحصلون عليه في السوق إذا كانوا في وضع اقتصادي أفضل.