بعد مرور نحو 6 أشهر من إسقاط النظام السوري وتفكيك المنظومة العسكرية والأمنية للبلاد، تحاول الإدارة السورية إعادة بناء منظومة جديدة من الجيش والقوات المسلحة تحت راية وزارة الدفاع ووزارة الداخلية.
فالمشهد السوري وخلال هذا الزمن القصير شهد أحداث وتغيرات كثيرة وسط تعقيدات الحالة الفصائلية الممتدة على كامل الجغرافيا السورية، ففي الشمال السوري (حلب – إدلب)، تنتشر فصائل هيئة تحرير الشام والجبهة الشامية وفيلق الشام وجيش الأحرار وحركة أحرار الشام وجيش العزة، هذه الفصائل يمكن اعتبارها بشكل تلقائي منضوية ضمن وزارة الدفاع، كونها بالأساس ضمن إدارة العمليات العسكرية بقيادة الرئيس أحمد الشرع. أما فصائل الجيش الوطني المدعومة من تركيا، فكانت قد أعلنت منذ الشهر الأول بعد تحرير سوريا، الموافقة على حل نفسها والانخراط ضمن الجيش الجديد.
وبالانتقال إلى الساحل السوري (اللاذقية – طرطوس)، فهو خالٍ بشكل تقريبي من الفصائل خارج إدارة وزارة الدفاع، باستثناء بعض المناطق في الريف الشمالي من الساحل، والتي تحوي على مقاتلين من الحزب الإسلامي التركستاني الذي ساعد في إسقاط النظام ضمن عملية ردع العدوان. وقد أعلنت إدراة الرئيس أحمد الشرع ضمهم إلى وزارة الدفاع المشكلة، إلا أن هذا الفصيل بات يشكل أزمة سياسية ودبلوماسية للإدارة السورية تحت بند المقاتلين الأجانب، سيما وأن الحزب التركستاني مدرج على قوائم الإرهاب في الأمم المتحدة.
في الوسط السوري (حماة – حمص)، فلا توجد أي فصائل مسلحة، إذا أنها كانت قد تفككت وانتقل مقاتليها باتجاه المحافظات الشمالية منذ العام 2018 بعد سيطرة النظام السابق على مدنهم.
أما في الجنوب السوري، وتحديدا في محافظة السويداء، فيشكل ملف الفصائل خارج إطار الدولة، مشكلة كبيرة رغم موافقة البعض منها الانخراط في الدولة الجديدة، إلا أن ما يسمى بالمجلس العسكري والذي تشكل في 24 شباط 2025 من قبل ضباط وعسكريين من جيش النظام المنحل، لا يزال يعارض الاندماج ضمن وزارة الدفاع. وفي محافظتي درعا والقنيطرة، فهي خالية تماما من الفصائل خارج إدارة الدولة، خاصة بعد إعلان فصيل اللواء الثامن في ريف درعا حلّ نفسه وتسليم أسلحته ومقراته لوزارة الدفاع. وبالاتجاه إلى ريف دمشق الواسع، فكان قد شُكل فيه غرفة فتح الشام بعد سقوط نظام الأسد، وهي عبارة عن عدة فصائل جاهزة للاندماج ضمن وزارة الدفاع.
في الشمال الشرقي من سوريا ( الرقة – الحسكة – دير الزور)، فهناك الفصيل الأكبر والملف الأعقد للإدراة السورية، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية والتي وقعت سابقا مع الرئيس أحمد الشرع اتفاقا يقضي بانضمام قسد ضمن المؤسسات السورية الجديدة، إلا أنها لم تنضوي إلى الآن معترضة على الإعلان الدستوري.
اليوم، يعاود وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة وللمرة الثانية، بإعلان دمج الفصائل المسلحة في البلاد تحت مظلة وزارة الدفاع، معطيا مهلة مدتها 10 أيام للخارجين عن وزارته، ذلك بعد مرور 6 أشهر من الاجتماعات والمباحثات التي أجراها مع معظم الفصائل السورية.
إعلان وزير الدفاع هذا، يكشف أن هناك فصائل لا زالت ترفض الاندماج في الدولة، خاصة وأنه خصّ بإعلانه المجموعات العسكرية الصغيرة، وهذا ما يدل على استبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل العسكرية في محافظة السويداء من هذه التحذيرات، فالمباحثات ما بين حكومة الشرع وهذين الفصيلين بالتحديد، لا تزال تجري تحت الأضواء الإعلامية.
المريب في الأمر هو توقيت إعلان دمج الوحدات العسكرية والتحذيرات التي أطلقها وزير الدفاع، في رسالة تعبر عن القوة التي بدت بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا والإعتراف الدولي بالإدارة الجديدة للبلاد، وهذا يأخذنا إلى منحيين من القصد وراء توقيته، فالمنحى الأول جاء ليدل على أن عملية الاندماج قد اكتملت وأن وزارة الدفاع جاهزة للإعلان عن تشكيلاتها الجديدة، ودون ذلك يعتبر خارج إطار الدولة.
أما المنحى الثاني، فيوحي بوجود بعض التكتلات المسلحة من غير الفصائل، ترفض الاندماج والتعريف بنفسها، بل وتعمل على نشر الفوضى والقيام بعمليات إرهابية، خاصة في محافظات حلب وإدلب وحمص.
ويبقى ملف المقاتلين الأجانب، وقوات قسد، والمجلس العسكري في السويداء أبرز الملفات الأمنية العالقة في طريق الإدارة السورية الجديدة، إذ أن حل هذه الملفات لا يرتبط بالداخل السوري فقط، بل إن هناك ضغوط دولية وإقليمية تعرقل دمج هذه الفصائل تحت راية وزارة الدفاع، والإدارة السورية تحاول حل هذه الملفات دون استخدام العنف والانزلاق في معارك قد يستفيد منها الخارج، وبالتالي يتطلب الأمر الكثير من جلسات التفاوض والحوار، ويبقى الأهم هو إنهاء الحالة الفصائلية وفرض سيادة الدولة على كامل الأراضي السورية.