قالت مصادر سياسية عراقية في العاصمة بغداد، إن عشرات المشاريع التنموية التي تشرف عليها منظمات أميركية مختلفة في العراق مهددة بالتوقف على خلفية قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتجميد برنامج المساعدات الخارجية الأميركي. وتتعلق غالبية تلك المشاريع بقطاع الإعمار والتأهيل بالإضافة لدعم النازحين والمتضررين جراء العنف والإرهاب وفي المجال التنموي، وتتركز في مناطق شمال العراق وغربه ووسطه.
وجمّدت الولايات المتحدة مساعداتها الخارجية، باستثناء المقدمة لمصر والاحتلال الإسرائيلي وكذلك المساعدات الغذائية الطارئة، في انتظار مراجعة كاملة لفهم ما إذا كانت تتوافق مع السياسة التي يعتزم ترامب اتباعها، كما تُستثنى المساعدات الغذائية الطارئة التي يفترض أن يستفيد منها قطاع غزة خصوصاً بعد الهدنة التي تم التوصل إليها بين إسرائيل وحركة حماس.
وبحسب مذكرة صدرت عن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو فإنه “لا يجوز الالتزام بأي تمويل جديد لأي جهة أو تمديد أي تمويل حالي وذلك إلى أن تتم مراجعة كل تمويل جديد أو تمديد والموافقة عليه، بما يتماشى مع أجندة الرئيس دونالد ترامب”، وأشار وزير الخارجية إلى أنه يستحيل على الإدارة الجديدة تقييم ما إذا كانت الالتزامات الحالية في مجال المساعدات الخارجية “غير مكررة وفعالة ومتسقة مع السياسة الخارجية للرئيس ترامب”.
وتدير وزارتا الخارجية الأميركية والبنتاغون، إلى جانب وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة (USAID)، حزمة كبيرة من المشاريع في العراق، التي ساهمت خلال السنوات الماضية في إحداث فارق كبير بقطاع البنى التحتية والمجتمع عموماً في مناطق شمال العراق وغربه على وجه التحديد، الأكثر تضرراً من الحروب التي شهدتها البلاد في العقدين الماضيين. ويذهب جزء من هذه الأموال إلى وكالات ومنظمات محلية لتنفيذ أنشطة ومشاريع كثيرة، منها ما يُخصص للطفولة وتمكين النساء في مناطق الصراع والناجيات من الحروب، بالإضافة إلى مشاريع إدماج النازحين في مخيمات النزوح والإشراف على نقلهم من مخيمات إلى مخيمات أخرى أو إلى مناطقهم الأصلية، ولهذه المشاريع ارتباطات مباشرة مع الحكومات المحلية في المحافظات العراقية والوزارات.
وبحسب مصادر سياسية عراقية في بغداد، فإن عدداً كبيراً من المشاريع التي تتولاها المنظمات الأميركية العاملة في البلاد مهدة بالتوقف أو تقليص عملها حالياً، واشارت إلى أن المنظمات ووكالات المساعدات الأميركية العاملة بالعراق أوقفت فعلياً استقبال أي طلبات جديدة. وعبر نشطاء في قطاعات حقوق الإنسان ومنظمات محلية في البلاد عن قلقهم من تبعات هذا التجميد، خصوصاً من حيث المساعدات الإنسانية والتنموية، ولا سيما أنه قد يؤدي إلى مشكلات إنسانية وتبعات سلبية على عدد لا يحصى من الأطفال والأسر الذين يمرون بأوضاع حرجة.
وفي السياق، قال عضو بمجلس النواب العراقي، إن “المنظمات المحلية في العراق لا تحصل على أي دعم مالي نظيف سوى من المنح الخارجية، وتحديداً الأميركية ثم الأوروبية ودول أخرى مثل بريطانيا وكندا، وإن تجميد المنح الأميركية في ظل إدارة ترامب يبعث على القلق بشأن مستقبل المشاريع داخل العراق، وإذا تم قطع هذه المنح بشكلٍ كامل فهذا سيؤدي إلى مشاكل وتراجع إضافي على مستوى الدفاع عن الحريات، وفي ذلك استفادة مباشرة للأحزاب الدينية التي ستجد الفرصة للقضاء على النشاطات المدنية”.
لكن النائب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أكد أن “قرار ترامب بإعادة تقييم المشاريع وإيقاف التمويل حالياً لم يؤد إلى توقف العمل المنظماتي فوراً، لكنه يهدد عملها في المستقبل”، مبيناً أن “ترامب يريد أن يعرف أين تذهب الأموال الأميركية، ويعرف أن في العراق يوجد فساد مالي كبير، بالتالي فهو يريد أن يقيم الوضع في البلدان المستفيدة وهناك احتمال وارد بأن يقرر قطع منح العراق أي مبالغ مالية”.
كما يعترف أحد نشطاء المجتمع المدني في العراق بوجود فساد داخل المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة في العراق، مؤكداً، أن “مسار المنح والمساعدات الأميركية إلى العراق لا يتم من خلال طرفين، المانح والمستفيد، بل من خلال وسيط، وغالباً ما يكون هذا الوسيط هو منظمة دولية أو وكالة تابعة للأمم المتحدة، ومن خلال الوسيط يتم التلاعب بالمبالغ، ويبدو أن إدارة ترامب على علم بما يحصل في العراق وغيره من الدول التي ترتفع فيها معدلات الفساد”. ولفت الناشط إلى أن “واحداً من أكثر المشاريع التي قد تتعرض للتوقف هو مشروع إعادة العوائل العراقية من مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة في الموصل، لأن الجهة المشرفة والمسؤولة عن إعادة إدماج هذه العوائل مع المجتمع وتعليمها وتسوية أوضاعها هي الوكالة الأميركية للتنمية، ناهيك عن برامج مهمة أخرى، وأبرزها برنامج تعافي”.